معنى قوله تعالى: (في أنفسهم)
ثم عاد الله فقال: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ [الروم: ٨]، وهذا استفهام معناه التقرير والأمر، أي: أما كان الواجب على هؤلاء أن يفكروا في أنفسهم يوماً فيقولون: من أنا؟ من أين جئت؟ من خلقني؟ وكيف خلقت؟ وما الغاية من حياتي؟ وما وظيفتي في حياتي؟ وعندما أموت فما معنى الموت؟ وإلى أين أنا ذاهب؟ وماذا بعد الموت؟ فقد خلقنا لهم عقولاً، وجعلناهم بشراً، وميزناهم عن الحيوانات وأن يفكر يوماً ويقول: ألا أراجع ما ذكره هؤلاء الذين زعموا أنهم أنبياء؟ فيراجع ما ورد في الكتب السماوية، وما ورد عن الأنبياء السابقين، فإذا كذبهم فليأت إلى القرآن الذي لم يغيَّر ولم يبدل، وإلى الإسلام الذي لم يبدل ولم يغير، فيبحث بعقله ويبحث بنفسه ليعود إلى التفكير في نفسه: أنا حي فما هي الروح؟ وكيف أعيش؟ وما الذي يحرك حواسي؟ وما الذي يدعني أسمع؟ وما الذي يدعني أبصر، وما الذي يدعني أحس وأتذوق؟ وما الذي يدعني أكبر يوماً بعد يوم وأصل إلى سن معينة ولا زيادة في أكثر الخلق؟ ثم بعد ذلك: كيف الإبصار؟ وكيف الذوق؟ وكيف الهضم؟ وكيف الإنسان ما دام حياً يبقى كما هو، فإذا مات ففي اللحظات الأولى يتفطر وتخرج روائحه، فأقرب الناس إليه يذهبون به مسرعين ويخفون جيفته في الأرض وإلا فر منها الناس جميعاً؛ لشدة كراهتها؟ فمن الذي أمسك الروائح الكريهة عن الخروج والإنسان حي، فإذا لم يستطيعوا الجواب عن ذلك وسكتوا، فهم ﴿حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ [المدثر: ٥٠ - ٥١] وهم كذلك إذ لم يكلفوا أنفسهم التفكير في ذلك.
فالله يلفت أنظارهم ويقول لهم: أولم يفكر هؤلاء الذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، فهم لا يعلمون، وهم بلقاء ربهم كافرون، هؤلاء لِمَ لا يفكرون في ذواتهم، فلم نطلب منهم أن يضربوا في الأرض، ويسافروا الآلاف من الأميال جواً أو بحراً أو براً، ولكن يفكروا في أنفسهم.