تفسير قوله تعالى: (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون)
قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الروم: ١١].
يقول الله لخلقه وعباده: يا هؤلاء لقد رأيتم أنفسكم وقد خلقت وأوجدت من العدم من غير أي شيء سابق، ألا تأخذون ذلك دليلاً وبرهاناً على أن من بدأ الخلق قادر على أن يعيده وهو أهون عليه؟ والكل هين عليه جل جلاله فهو لا يحتاج لأكثر من أن يقول: كن فيكون، ولا يحتاج لأكثر من إرادة، فيكون ما يريد جل جلاله.
فقوله: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [الروم: ١١]، أي: هو الذي أنشأ الخلق على غير مثال سابق، أوجدنا من العدم، ونحن نرى أنفسنا ونعيش في واقعنا، ونرى الخلق في كل أشكاله وأنواعه، فمن خلقهم؟ من دبرهم؟ من رزقهم؟ من أحياهم وأماتهم؟ من أحياهم وأماتهم قادر على إعادتهم ونشأتهم النشأة الثانية في الحياة الآخرة.
عندما يضرب الله للناس الأمثال والأشباه والنظائر؛ ليتعلموا بالمعلوم المجهول، وبالواقع المستقبل، وبالدنيا الآخرة، ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦].
وقوله: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [الروم: ١١]، أي: هو الذي يعيد الخلق مرة أخرى فينهي الدنيا ويفنيها، ويعيد الحياة الثانية يوم البعث والنشور، فيوم العرض على الله في الآخرة التي لا فناء لها ولا موت، فمن دخل الجنة فهو خالد فيها أبد الآبدين، ومن دخل النار فهو خالد فيها دهر الداهرين، لا موت ولا فناء، وإنما الموت والفناء لدار الدنيا وما فيها ومن عليها.
إذاً: نحن نرى أن الله قد بدأنا بواقعنا وحياتنا، ومن قدر على ذلك قدر على الإعادة، فهو كما ابتدأنا سيعيدنا إعادة ثانية، وهذه دعوة للإيمان بالبعث، فمن لم يؤمن بالبعث بقي على كفره، ويكون قد كذب الأنبياء جميعاً السابقين واللاحقين وخاتمهم صلى الله عليه وسلم، ويكون قد كذب بالرسالات والنبوءات والكتب السماوية جميعها، فالبعث حق والحياة الثانية حق، كما أن الإنسان حق أن يعاد يوم القيامة مرة ثانية؛ ليعرض على الله ويحاسب على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الروم: ١١]، أي: إلى الله يرجع الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم، رجالهم ونساؤهم، إنسهم وجنهم.