تفسير قوله تعالى: (ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء)
قال الله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الروم: ١٣].
أي: عند ذلك يتركهم الشركاء الذين عبدوهم جهلاً وفساداً في الأرض، وقالوا: ثالث ثلاثة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومنهم من جعل العجل إلهاً، ومنهم من جعل مريم وعيسى إلهين، ومنهم من جعل الأخشاب والأحجار آلهة، ومنهم من جعل من الجن والملائكة والبشر آلهة، وكل أولئك سيتخلون عنهم يوم القيامة، ولا يشفعون لهم عند الله بعدم دخولهم النار وإطلاق سراحهم من اللعنة والغضب، هيهات هيهات، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨]، ولن تكون شفاعة إلا لمن أذن له، ولن يأذن للشفاعة إلا لمن رضي عنه من الملائكة والرسل وصالحي الناس.
أما أن يشفع كافر فلن يكون ذلك ألبتة، ومعاذ الله أن يكون لله شريك ومعه شريك، ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [النجم: ٢٣].
وقوله: ﴿وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الروم: ١٣] أي: وكان هؤلاء الشركاء والأصنام كافرين بعبادتهم، كما يكفر المتبوع بالتابع ويتبرأ منه، ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾ [البقرة: ١٦٦]، أي: تقطعت أسباب المودة التي كانت في الدنيا، والصلة التي كانت بينهم المبنية على الكفر والشرك، ولن يدوم في الآخرة إلا الود في الله والحب في الله، قال الله تعالى: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧]، لن تدوم خلة ولا صداقة ولا مودة إلا مودة الأتقياء، أما من كانت مودتهم مبنية على الفسق والعصيان والشرك والجحود فهؤلاء ينقلبون أعداء لبعضهم يوم القيامة، ويلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض.


الصفحة التالية
Icon