تفسير قوله تعالى: (يخرج الحي من الميت)
قال تعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩].
فقوله: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ [الروم: ١٩].
أي: ومن يقدر على ذلك إلا هو، فهو الذي يخرج الإنسان من النطفة وهي ميتة، ويخرج الدجاجة من البيضة وهي ميتة، ويخرج النبت والشجر من الأرض وهي ميتة.
﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الروم: ١٩]، أي: ويخرج الجنين ميتاً من رحم أمه وهي حية، ويخرج الكافر من بطن أمه وهي مسلمة وهو كافر، ويخرج البيضة من الدجاجة، ويخرج الحبة من السنبلة، ويخرج الزرع والحبة والقمح من السنابل ومن الأشجار والنباتات وكلها حية.
فالله وحده القادر على ذلك، هذا من حيث المحسوس، ومن حيث المعنى: خرج أنبياء الله الصالحون وخرج الصحابة الكرام والتابعون من بطون كانت في جاهليتها غير مؤمنة، وخرج كفار من أرحام مؤمنة.
ومن قدر له الله الخير أدركه، سواء كان البطن الذي احتواه بطن مؤمن أو بطن كافر، قال تعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم: ١٩]، فتجد الأرض وقت الشتاء قد يبس نبتها وتحات شجرها وأصبحت جدباء، فإذا بالله الكريم يمطرها ويغيثها بالمطر، فإذا بها تهتز وتربو وتنبت أشكالاً وألواناً ومن كل زوج بهيج، فهذا أخضر وهذا أحمر وهذا أصفر وهذا أبيض، ومع أن الماء واحد إلا أن الزهر ألوان، ولو كان ذلك من الطبيعة فكيف يخرج من ماء واحدة وتربة واحدة أنواعاً من الثمار والأشجار والنباتات والطبيعة من خلقها؟ ولكن الكفر ألوان وأنواع.
﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩].
أي: كما أخرج الحياة من الأرض الميتة وجعلها تربو وتهتز حياة، فبعد أن كانت يابسة وجدباء إذا بها تدخلها الحياة فتنبت أشجاراً ونباتات وبراعم وزهوراً وثمرات خضراء، وكما أخرج من الحبة الميتة الحياة فسيخرجكم ويبعثكم بعد موتكم أحياء كذلك مرة ثانية لتعرضوا عليه للحساب إما إلى جنة وإما إلى نار.


الصفحة التالية
Icon