تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره)
قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥].
أي: ومن آيات الله وعلامات قدرته ووحدانيته وأنه القادر على كل شيء وحده هذه السماء التي نراها فوقنا، وهذه الأرض التي نحن عليها، فمن الذي أمر بقيام هذه السماء بلا عمد تحملها وتتكئ عليها وتعتمد عليها؟ إنه الله جل جلاله القادر على حملها وخلقها وبقائها بغير عمد، ما دام يريد ذلك إلى أن تنتهي السماء والأرض بالقيامة، بأن تصبح كالعهن المنفوش، ويفنى كل شيء إلا وجه ربنا ذو الجلال والإكرام، فيفنى الخلق ويبقى الخالق وحده.
وهذه الأرض وما عليها من جبال راسيات، وبحور جاريات، وأرزاق متتابعة، وخلق فيها من كل شكل ونوع، ومن إنس وجن، وطير وحشرات، من الذي قام بذلك؟ وبأمر من قام كل ذلك؟ وكيف بقي ذلك كل هذه القرون وإلى أن تفنى الدنيا؟ إنه الله جل جلاله الذي خلق ذلك ودبره ونظمه جل جلاله، فلا يقدر أحد أن يفعل ذلك سواه، فكل ذلك يدل على وحدانيته وقدرته وإرادته، وصور هذه الحقيقة ذلك الشاعر العربي الحكيم: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد في كل شيء من إنسان وحيوان، ومن جماد سماء وجماد أرض، ومن فصول مختلفة، ومن أمطار وجدب، ومن غيث وصواعق وزلازل، وكل ما تراه العين وتسمعه الأذن ويعيه القلب، كل ذلك يدل على قدرة الواحد الأحد الذي لا شبيه له في ذات ولا في صفة ولا في فعل، تعالى الله وجل، فهو القادر على كل شيء.
وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥]، أي: ثم بعد الموت والفناء والذهاب والاضمحلال يدعو الله الخلق بما فيهم عباده، فيأمرهم بالعودة بعد الموت، وبأن يخرجوا من الأرض التي عاشوا عليها وخلقوا منها ثم رجعوا لها تراباً، ثم إذا بهم يخرجون منها كما ماتوا في حال الدنيا قوة وضعفاً، وذكورة وأنوثة، وصغراً وكبراً، فيمتثل الكل أمام الله للعرض عليه، فيجازي المحسن على إحسانه بالجنة، والمسيء على إساءته بالسوء والعذاب والنقمة.