تفسير قوله تعالى: (وله من في السماوات والأرض كل له قانتون)
قال الله تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [الروم: ٢٦].
أي: أن الخلق كلهم لله، و (من) اسم موصول يطلق على العاقل فقط، ويطلق على العاقل ومعه غير العاقل، كما أن (ما) تختص بغير العاقل وقد تطلق على غير العاقل مع العاقل، فالله عندما يقول لنا: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الروم: ٢٦] أي: من عاقل وغير عاقل، من ملك وإنس وجن وحيوان وطير وحشرات ودواب، الكل لله، فالأرض والسماء وما بينهما وما عليهما وما فيهما لله وحده، الكل آت عبداً له وملكاً من أملاكه وخلقاً من خلقه وعبيداً من عبيده، يتصرف فيها كما يتصرف المالك في ملكه فلا يسأل عما يفعل، فكل ذلك لله، وهو الذي ما في الكون لعباده المؤمنين، بل لبني آدم جميعهم كافرهم ومؤمنهم، فيجازي المؤمن على شكره وحمده، ويجازي الكافر على جحوده وكفره بهذه النعم المتتالية، ولتبقى حجة الله عليه هي البالغة.
وقوله: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [الروم: ٢٦].
(كل) هذا التنوين يسمى في لغة العرب تنوين العوض، ويعوض به عن كلمة مفردة أو عن جملة، والمعنى: كل خلقه المذكورين من سماء وأرض ومن فيهما قانت لله، والقانت: هو المطيع، فكل خلق الله مطيع له سبحانه طاعة كونية، وإنما تكون معصية الكافر في الطاعة الشرعية، وإلا ففي سوى ذلك يكون الكل مطيعاً، المؤمن والكافر، فإذا قيل للكافر: مت فإنه يموت، وإذا قيل للكافر: قم بإذن الله فإنه يقوم، وحين ينزل الكافر نطفة من صلب أبيه إلى رحم أمه وأمر أن يتخلق بعد النطفة مضغة فعلقة فعظاماً فلحماً فجنيناً كاملاً فوليداً ثم يخرج للوجود ثم يكون شاباً، ثم يكون شيخاً، ثم يعود إلى الأرض ليكون تراباً، ثم يقوم مرة ثانية كان في كل ذلك سميعاً مطيعاً.
وهذه الكلمة (قانتون) إذا وردت في القرآن فهي بمعنى (مطيعون)، سواء كانت مفردة أو جمعاً أو مصدراً، والآية تحمل على أن كل من في السماوات والأرض هم ملك عبيد له، وأن الكل طائع له، وأنهم تحت أمره ونهيه وتحت جلاله وقهره.


الصفحة التالية
Icon