تفسير قوله تعالى: (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء)
قال تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: ٢٨].
يضرب الله لنا الأمثال والأشباه والنظائر ليقرب لنا المعنى وييسر لنا الفهم، كما أن القرآن نزل بلغة العرب، ولغة العرب من تمام بلاغتها وبيانها وفصاحتها أنها كلها أمثال، وقد نقل عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: (حفظت عن رسول الله ﷺ ألف مثل).
فقوله: (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم)، أي: ضرب الله لنا شبيهاً ومثيلاً من نوع أنفسنا ومن خلق كخلقنا، وهذا الشبه والمثال فيما ملكت أيمانكم.
والمراد بقوله: (من ما ملكت أيمانكم) أي: العبيد والإماء الذين تملكونهم، فهل تعتبرون عبيدكم شركاء في أرزاقكم وأموالكم، فأنتم في هذا المال سواء تتصرفون منه تصرفاً واحداً، وتملكون ملكاً واحداً؟ وقوله: ﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ [الروم: ٢٨].
أي: تخافون عبيدكم ومواليكم وإماءكم كما تخافون أنفسكم أيها الأحرار في أن ينازعوكم الشركة في مال، أو تجارة أو زراعة، أو ينازعوكم الشركة في إرث، هل عبيدكم كذلك.
وإذا لم يكن الأمر كذلك فلم تجعلون لله ما تكرهون، فجعلتم لله البنات سبحانه، فقلتم عن الملائكة: بنات الله، في حين أنكم إذا بشر أحدكم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على ظلم وهوان ومذلة، أم يدسه في التراب ويدفنه حياً؟ فأنتم تريدون الأولاد وتنصبون لله البنات، ولكم عبيد لا يملكون معكم شيئاً، بل أنتم تملكونهم وأملاكهم، وإذا رزقتم رزقاً فلو حاول أحدهم أن ينازعكم ملككم أو يشارككم فيه لغضبتم من ذلك، ولو حاولوا أن يجعلوا أنفسهم معكم في الرزق لأغضبكم ذلك ولكرهتموه، فكيف تقبلون وأنتم خلق الله وعبيد الله وإماء الله أن تكونوا شركاء مع الله في ملكه أو في وحدانيته أو في إرادته؟! وقوله: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: ٢٨].
أي: نبينها ونوضحها، فنذكر مجملها وتفاصيلها، ونبين مفرداتها وجملها؛ لعلكم تعون وتعقلون، فتقولون يوماً: ربنا الله، فتموتون موحدين، فتفوزون بالرضا وبالرحمة والجنان.


الصفحة التالية
Icon