تفسير قوله تعالى: (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم)
قال الله تعالى: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم: ٢٩].
(بل) إضراب، أي: اضربوا عن الكلام الماضي، فمن فهم من ضرب أمثاله واعتبر فقد فاز، ومن وقف أمامها أعمى لا يبصر، أصم لا يسمع، مغمى القلب لا يفقه، كان كالأنعام، بل هو أضل.
﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم: ٢٩].
فقوله: (الذين ظلموا) الظلم هنا الشرك، والمعنى: بل هؤلاء ظلموا أنفسهم فأشركوا بالله، وتجاوزوا حق الله في أن يوحدوه، فالله غني عن خلقه، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ [فاطر: ١٥]، أي: الغني عن العباد وعبادتهم.
قال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧].
فقوله: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الروم: ٢٩]، أي: بل هؤلاء الكافرون الظالمون اتبعوا أهواءهم ونزعاتهم ومعتقداتهم التي ليس الدافع لها إلا الهوى والغرور، ولا حامل لهم عليها إلا النزوة والشهوة بلا منطق من عقل، ولا كتاب من الله، ولا رسالة من نبي، وإنما بدا لهم أن يقولوا ما لم يعملوا، فقالوا الظلم والباطل، وقالوا ما لا يقبله عقل سليم؛ اتباعاً لأهوائهم، وامتداداً لظلمهم وشركهم بالله.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الروم: ٢٩].
أي: لا علم لهم من سماء ولا من أرض، ولا دليل لهم من كتاب ولا سنة ولا عقل.
وقوله: ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [الروم: ٢٩].
أي: هؤلاء الذين أبوا إلا الضلالة فضلوا وأضلوا، من الذي يقدر على هدايتهم وقد أضلهم الله؟ يقول الله لنبيه ولأتباعه وللعلماء بالله وبالسنة: إن من أضله الله لن يصلحه ولن يهديه أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا صالح من الصالحين، وليست الهداية على الرسل ولا غيرهم، إنما على الرسل إلا البلاغ، ﴿أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [المائدة: ٩٢]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]، وقال عز وجل: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢]، لكن على الرسل والعلماء أن ينشروا علم الكتاب والسنة، ويبينوا ذلك ويشرحوه ويفسروه للناس، فمن قبل فذاك، ومن لا فقد قاموا بما عليهم، وتبقى الحجة البالغة على هؤلاء الضالين المضلين.
وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم: ٢٩]، أي: لا ناصر لهم غير الله، ولا لهم منقذ من الضلال إلا الله، ولو علم الله في أنفسهم خيراً لآتاهم خيراً، ولكنهم أبوا إلا الضلالة والإصرار عليها، فزادهم الله ضلالاً على ضلال؛ لأنهم أرادوا ذلك، فأصموا آذانهم عن الوحي وأعرضوا عن الإسلام.


الصفحة التالية
Icon