تفسير قوله تعالى: (آلم)
قال الله تعالى: ﴿الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [لقمان: ١ - ٣].
هذه سورة لقمان الحكيم رحمه الله ورضي عنه، آياتها (٣٤) آية، نزلت آياتها على قلب نبينا ﷺ وهو بمكة المكرمة، فهي بذلك سورة مكية.
قال تعالى: ﴿الم﴾ [لقمان: ١]، هذه الحروف المقطعة هي حروف الهجاء في لغة العرب، فمنها ركب القرآن وانتظم، وعليها قام، وهو مع ذلك معجز، أعجز الخلائق منذ نزوله وإلى يوم القيامة، وتحدى الله الخلق يوم نزوله أن يأتوا بمثله أو بسورة منه أو بآية فقط، فعجز الكل، ولم يستطع أحد من ذلك العصر إلى يومنا وإلى يوم القيامة.
وأتى السخفاء بكلام يضحك الثكلى ويحمل على الهزء والسخرية وأرادوا به معارضة القرآن، فأتوا بالسخيف من القول وبالسقط من الكلام مما لا معنى له قط.
وفي الغالب أنه عندما تذكر هذه الحروف تختم بالإشارة إلى آيات الله، فقال تعالى هنا: ﴿الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [لقمان: ١ - ٢]، والضمير يرجع عادة إلى أقرب مذكور، ولا أقرب من ﴿الم﴾ [لقمان: ١]، أي: تلك الأحرف الألف واللام والميم آيات الكتاب الحكيم.
وقال تعالى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ﴾ [البقرة: ١ - ٢]، والإشارة كذلك تعود إلى أقرب مذكور، وهي الألف واللام والميم.
وبعض السور لم تعقب بهذا كما في سورة الروم: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ١ - ٣].
فإن الأمر يتم بالكلمة الواحدة، فإذا تكرر مرتين وثلاثاً وأربعاً وما فوق ذلك فقد تقرر، وكما يقولون في الأمثال: الشيء إذا تكرر تقرر، وقد تكرر ذكر الإشارة بتلك وبذلك عقب هذه الحروف، فكان ذلك تقريراً بحيث أصبح مثل القاعدة العامة، فإذا لم يذكر في بعض فمعنى ذلك أنه قد مضى وتقرر، والتكرار بعد أن يكرر مرات ومرات يصبح لا حاجة إليه.


الصفحة التالية
Icon