تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [لقمان: ٨ - ٩].
يقرن الله العذاب بالرحمة ويقرن الرحمة بالعذاب، حتى تسمع الأذن في آن واحد عذابها ونذارتها إن هي عصت، وتسمع نعيمها وبشرياتها إن هي أطاعت وعبدت حقاً بلا رياء وكبر وشرك، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [لقمان: ٨].
الذين آمنوا بالله رباً وبالقرآن كتاباً وبمحمد ﷺ نبياً ورسولاً، وعملوا الصالحات، فأقاموا الصلوات الخمس في أوقاتها بأركانها وشرائطها، وصاموا شهر رمضان من كل عام، وأدوا الزكاة التي عليهم، وتركوا الباطل والمعاصي بكل أشكالها تركاً تاماً، فهؤلاء ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ [لقمان: ٨]، أي: يملكهم الله يوم القيامة الجنة، وليست جنة واحدة، بل جنات يتنعمون فيها، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين خالدين فيها خلوداً أبدياً.
قال تعالى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾ [لقمان: ٩] وعد الله ذلك وعداً حقاً، فهو منصوب على المفعولية المطلقة، أي: قد وعد الله ذلك المؤمنين، فوعدهم بجنات النعيم الخالدة الدائمة أبداً، لا موت فيها ولا انقراض ولا نهاية لنعيمها ولذائذها وسعادتها، وذاك وعد الله الحق الذي ليس بالباطل ولا بالكذب، ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١١١]؟ لا أحد.
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [لقمان: ٩] الله العزيز الذي لا يغالب ولا يقاوم، وليس لأحد في الأرض ولا في السماء أن يغالب ربه، لا من المؤمنين ولا من الكفار، فالجبابرة الطغاة لا يمكنهم ولا يستطيعون ذلك.
والحكيم هو: الذي يضع الأمور في مواضعها، فما أحل أو حرم فكل ذلك بحكمته لصالح العباد، وكما قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: إن هذه العبادات التي قد نتعب فيها ونبذل لها من أوقاتنا وأزماننا وصحتنا لا ينال الله منها شيء، قال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧]، فهي كلها لكم أيها الناس! فلكم أجرها وثوابها، وأنفسكم خدمتم ولها قدمتم، فإن كفرتم فإن الله غني عن العالمين، فلا يضر الله كفر الكافرين ولا ينفعه إسلام المسلمين.