معنى قوله تعالى: (حملته أمه وهناً على وهن)
فقوله: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] أي: حملته في بطنها وفي رحمها ضعفاً مضاعفاً وزمناً بعد آخر ووقتاً بعد آخر؛ ولذلك جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سئل: (من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك)، فأوصى بالأم ثلاث مرات وبالأب مرة واحدة، لأنها من جنس ضعيف ومن ضلع أعوج كما يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام، فهي في بنيتها وفي فكرها ضعيفة، وجعل الله الوهن والضعف في الحمل عليها، فهي التي تحمل وهي التي تلد وهي التي ترضع وهي التي تحضن وهي التي تنشئ وتربي، فكان للوالدة على الوالد مزية في هذا؛ لأن الرجل قائم بنفسه، ومهما يكن من الولد فيجب أن يكون باراً بأبيه، ولكن الأب في الغالب هو مستغن عن الأولاد وليس كذلك الأمهات؛ لأنهن يتنقلن من ضعف إلى ضعف إلى ضعف إلى آخر أعمارهن.
فالأم محتاجة إلى بر الأولاد وإلى رعاية الزوج، بل ومحتاجة إلى رعاية الأب إن بقي؛ فأوصى الله تعالى بالوالدين، وجعل الوصاية بهما بعد الدعوة لتوحيده والإيمان به، ومن هنا نعلم أن البر يأتي في الدرجة الثانية بعد التوحيد، والعقوق يأتي في الدرجة الثانية بعد الكفر والشرك بالله، (وسئل النبي عليه الصلاة والسلام: أي العمل أعظم؟ قال: لا إله إلا الله، قيل: ثم أي؟ قال: برك بوالديك).
وظواهر الآي المتكررة بمختلف المعاني في كتاب الله تؤكد ذلك وتحض عليه، قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] هي متعبة بحمل وكبر بطن ومشقة تتبعها أخرى إلى أن تضعه، وقد تموت قبل أن تضع، وقد تموت عند الولادة.