معنى قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك)
وقوله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: ١٤]، لقد قرن الله شكره بشكرهما، وشكر الله توحيده، وشكر الله في الدرجة الأولى النطق بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وقد شكر الله من وحده، وشكر الله من عبده، وشكر الله يكون باللسان وبالجنان وبالأركان، وكل ذلك شكر لله.
وشكر الوالدين طاعتهما وخفض الجناح لهما وبرهما في كل ما يقر أعينهما، وكذلك فيما يتعلق بسكناهما وبمعيشتهما، وفيما يتعلق بالأدب معهما، ذاك شكرهما الواجب الذي لا يجوز لإنسان ما أن يقصر فيه.
وقوله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤]، أي: إلي النهاية وإلي ستصيرون وتعودون في الحياة الثانية، وهذا فيه معنى الوعيد ومعنى البشرى، فمن صار إلى الله وبعث وهو موحد لله كافر بالطواغيت بار بوالديه فالله يجازيه بالخير، ومن جاء مشركاً عاقاً لوالديه أو جاء مؤمناً ولكنه عاق لوالديه فسيجزى الجزاء الأوفى يوم القيامة بعذاب السعير وبالآلام، إلا أن يغفر الله له أو يتغمده الله برحمته ويعفو الأب والأم عنه، فذاك موقوف عليهما.
وقيل للنبي عليه الصلاة والسلام: (إن شاباً يحتضر للموت ويريد أن ينطق بالشهادة فيعجز، فسأل: لم؟ فقيل له: كان عاقاً لأمه، وطلب الناس منها أن تسامحه وهو الآن يموت فترفض، فجاء عليه الصلاة والسلام إلى الشاب، وقال لأمه: سامحيه لعل الله ينقذه بك من النار، فقالت: لا أفعل، فكرر ذلك مراراً، فقالت: لا أفعل، فقال: إذاً نحرقه في الدنيا؛ فذاك أهون عليه من حريق النار يوم القيامة، فعندما رأت النار تشتعل وحمل ولدها بما أوهمت بأنه سيلقى في النار منعتهم، وقالت: أغفر له وأسامحه، فانطلق لسانه وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله).
انظروا البر بالوالدين أخرس من أجله اللسان فلم ينطق بالشهادتين والتوحيد! وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) وأول الناس الواجب شكرهم أبوك الذي كان سبباً في خروجك إلى هذه الدنيا، وأمك التي حملتك في بطنها تسعة أشهر وأرضعتك سنتين، وتحملت الكثير من أجلك، فيجب أن تُشكر الأم ويجب أن يُشكر الوالد، ويأتي شكرهما بعد شكر الله.