تفسير قوله تعالى: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن)
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ٢٢].
يقول الله جل جلاله: أما أولئك الذين يجادلون ويخاصمون في ربهم بلا علم ولا كتاب ولا دليل ولا برهان، ولا نور من الله، فإنهم مع ذلك إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، وما أوحى به الله، وما أرسلت به الأنبياء وخاتمهم صلوات الله وسلامه عليه أعرضوا، فتلك فئة الشيطان.
قوله: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [لقمان: ٢٢] أي: من أسلم واستسلم لله مطيعاً له مؤمناً به، فاستسلم له في فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان: ٢٢].
وهذا الذي أسلم وجهه لربه كان ذلك حال كونه محسناً، والإحسان الدرجة الثالثة بعد الإسلام والإيمان، والإيمان أن تؤمن بربك وبالدار الآخرة وبيوم البعث، وأن تؤمن بالرسل، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن تؤمن بالجنة والنار.
والإسلام: أن تصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، وأن تصوم شهراً من كل عام وهو شهر رمضان، وأن تؤدي زكاة مالك إذا بلغ الحول، وأن تحج مرة في عمرك إلى بيت الله الحرام، وأن تترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن تمتثل أمر ربك جهد طاقتك وجهد قدرتك، والضابط في ذلك ما قاله عليه الصلاة والسلام: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا)، فالباطل يترك كله، والخير يفعل منه ما في قدرة الإنسان.
فالذين يسلمون وجوههم لله، وهو الإسلام ومنه اشتق اسم المسلم، فالمسلم من أسلم وجهه لله سميعاً مطيعاً، لا يخرج عن أمره، ولا يخرج عن نهيه، يمتثل أوامر ربه وأوامر نبيه حال كونه محسناً عاملاً بالصالحات، وأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
أي: أن نعبد الله مخلصين له وكأننا نراه، وإن لم نكن نراه فهو يرانا، فإن كانت العبادة كذلك فستكون أكثر إخلاصاً وأكثر اطمئناناً وخشوعاً.
﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان: ٢٢]، العروة: الحلقة التي يدخل فيها العقد، ثم أصبح معنى الاستمساك بالعروة الوثقى: أن يستمسك بعهد الله الوثيق، وبدينه الكامل، وبالعهد الذي تركه لنبيه وما أمر نبيه الناس به من الإيمان بالله وبرسل الله وبعمل الصالحات في خشوع واطمئنان وإخلاص، فمن فعل هذا فقد استمسك بالعهد الوثيق، وبالدين المتين، وبعهد الله جل جلاله وبالإسلام والعمل به، إلى لقاء الله ليفي الله بوعده وبعهده، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١١١] وعهد الله أن يجازي بالجنة وبالرحمة من أطاعه، وأن يعذب من عصاه وخالفه.
﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ٢٢]، أي: إلى الله العاقبة، وإلى الله النهاية في أمرنا كله، وفي أمر الله وخلق الله، وقدر الله وما أمر به، فيوم القيامة عندما نكون عنده يجازي المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته، فله العاقبة والمعاد، ولله الرجوع والمآب، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها.