تفسير قوله تعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)
قال تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [لقمان: ٢٨]، يخاطب الله الذين جهلوا جلاله ومقامه، ولم يعرفوا قدرة الله ولا برهان الله ولا آيات الله فجعلوا له شركاء وجعلوا له آلهة من دونه، قال تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [النجم: ٢٣].
فالخلق كلهم منذ آدم إلى آخر إنسان تقوم عليه الساعة، فخلق الله لهم ثم بعثه لهم مرة ثانية ليس إلا كنفس واحدة، أي: كما يقول للنفس الواحدة: كوني، فتكون.
فيوم القيامة يقول للخلق كلهم: قوموا لله، فيقومون جميعاً، فالحياة الثانية لن تكون كالحياة الأولى فإنه في الحياة الأولى خلقنا أطواراً، وخلقنا مراحل، فقد كنا تراباً، ثم كنا ضلعاً من ضلع آدم والذي خلق الله منه أمنا حواء، ثم كون الخلق بعد ذلك من ماء مهين، ثم من نطفة فعلقة فمضغة فعظام بلا لحم فعظام مكسوة لحماً، فخلق سوي في بطن الأم، ثم بعد ذلك طفل يرضع ثم يحبو ثم يفطم، ثم يصبح غلاماً مميزاً، ثم يافعاً، ثم مراهقاً، ثم شاباً، ثم كهلاً، ثم شيخاً، ثم يموت.
أما يوم القيامة فستطوى هذه المراحل كلها، وإنما يأمر الله إسرافيل الذي نفخ في الصور أول مرة فمات كل من على الأرض، وكل من على السماء، ولم يبق إلا هو وملك الموت، فأمر الله الكل أن يموتوا فماتوا، قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧]، سيفنى الجن والإنس والملك ولن يبقى إلا الله.
وعندما يأمر الله بالبعث في الحياة الثانية يأمر إسرافيل بالنفخة الثانية وإذا بهم قيام ينتظرون أمر الله، ولا حاجة لما كان في التطور الأول، بل إننا نبعث كما متنا، صغاراً أو كباراً، أصحاء أو مرضى، عراة حفاة حاسري الرءوس غرلاً أي: أن تلك الجلدة التي تزال عند الختان والتطهير تعود وترجع.
سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، عندما سمعت النبي ﷺ يقول هذا، قالت: (يا رسول الله! أنكون عراة يرى بعضنا بعضاً؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الأمر أفظع من ذلك) لن يرى أحد أحداً، لانشغالهم بأهوال يوم القيامة.
وعندما تذهب الأمم كلها مبتدئين بأبيهم آدم أول الأنبياء وأبي البشر قاطبة يقولون له: يا نبي الله يا أبانا! استشفع لنا فيقول: نفسي نفسي، ويقال ذلك لنوح فيقول: نفسي نفسي، ويقال ذلك لإبراهيم فيقول: نفسي نفسي، إلى أن يصل الأمر إلى نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام فيقولون: يا رسول الله! اشفع لنا عند ربك.
فيقول: أنا لها أنا لها! فيخر ساجداً تحت العرش ويدعو ربه بدعوات يلهمه بها ربه إذ ذاك، أي: أنه لم يكن يعلمها في دار الدنيا، فيدعو الله ما يشاء، ثم يقال له: ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، وهو المقام المحمود الذي يحمد به على رءوس الخلائق يوم القيامة، فيشفع حتى في الأمم الماضية لفصل القضاء.
قوله: (إن الله سميع بصير): أي: سميع لأقوالكم سواء كنتم مؤمنين أو كافرين، بصير بأحوالكم سواء كنتم محسنين أو مسيئين، فهو السميع لكل شيء، البصير بكل شيء جل جلاله وعز مقامه.