تفسير قوله تعالى: (أم يقولون افتراه)
قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [السجدة: ٣]، (أم) بمعنى: (بل)، أي: أن الكفار الجاحدين أعداء الله المعاندين مع هذا البيان وهذه الحقائق التي دل عليها العقل ودل عليها المنطق وفطر عليها الخلق يقولون: هذا القرآن مفترى افتراه محمداً، حاشاه عن ذلك، وتعالى الله عن ذلك.
يقول تعالى: (أم يقولون افتراه) هذا استفهام تقريعي توبيخي، أي: أيقول هؤلاء الكذبة المفترون على الله: افتراه محمد صلى الله عليه وسلم؟! وكلمات الكفر التي نسمعها والتي نقرأها ليست جديدة قالها يهود أو قالها نصارى أو قالها منافقون ومرتدون بين أوساطنا، بل لقد قالها الكفار قبل، وذكرها القرآن في آياته ليرد عليها بمنطق العقل، وبمنطق البيان، وبمنطق الوحي، فكفر الكافرين المعاصرين ليس إلا تقليداً بغبغائياً قردياً، حيث أعادوا كفر من سبقهم بالقول، فقالوا: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه، وقالوا: أعانه عليه حداد وجد في مكة لا يكاد يبين نطقاً ولا فهماً، والقرآن في غاية الفصاحة والبيان، بل إن النبي ﷺ إذا قال: قال الله يكون كلامه معجزاً، ويكون كلامه في منتهى ما يكون من الفصاحة والبلاغة، حتى إذا قال كلامه نزل عن درجة ذلك البيان، فالنبي ﷺ لا يستطيع أن يقول مثله، مع أنه خاتم الأنبياء وسيد الفصحاء وأوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن الرب رب والعبد عبد، فكلام الله كلامه بينه وبين كلام المخلوقين كما بين الخالق والمخلوق.


الصفحة التالية
Icon