تفسير قوله تعالى: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم)
قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢].
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: لو ترى هؤلاء المجرمين المشركين الكافرين بعد أن عادت إليهم الأرواح يوم القيامة، فوقفوا يبين يدي ربهم منكسي الرءوس.
وكل خطاب للنبي ﷺ هو خطاب كذلك لأمته ولأتباعه من الجن والإنس.
فالله تعالى يقول: لو رأيت هؤلاء المجرمين المشركين الكافرين وقد عادوا للحياة الثانية التي أنكروها في دنياهم، واقفين في ذل وفي خجل وفي حياء يكاد يزيل عن وجوههم جلودها، خجلاً من كفرهم وتكذيبهم في دار الدنيا، فهاهم أولاء قد عادوا وبعثوا خلقاً جديدا، وقد كانوا في دنياهم ينكرون ذلك، ووقفوا بين يدي ربهم منكسة رءوسهم، تكاد رءوسهم تكون على الأرض، وقد فسر بعض الأئمة الآية بهذا، وهو أن رءوسهم أصبحت أرجلاً، وأرجلهم هي التي فوق رءوسهم في الأرض، خجلاً من ربهم، فهم يصيحون ويجأرون: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ [السجدة: ١٢]، فقد رأينا الإعادة والخلق الجديد، وسمعنا ما كنا نكذب به أنبياءنا ورسلنا.
هؤلاء المجرمون بعد أن رأوا ما كانوا ينكرون، وسمعوا ما كانوا يعرضون عن سماعه، قالوا: ربنا! أرجعنا للدنيا لنعمل الصالحات، ولنوقن كما أيقنا الآن، ولكن هيهات هيهات، فقد كانت الحياة فلم ينتهزوها، وكان الشباب فلم يستفيدوا منه، وكان الثراء فلم يجعلوه في طاعة، وهكذا إلى أن انتهت أيامهم، فكانت كيوم أو جزء من يوم.
أما الآن فهم يحاسبون ويعاقبون، فيتمنون أن يعودوا مرة ثانية، وهيهات هيهات، فلن يكون ذلك أبداً.