تفسير قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع)
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [السجدة: ١٥ - ١٦].
هذه صفات المؤمنين الصادقين الذين يسجدون لله سجود القلب وسجود الجوارح، سجود الإيمان وسجود اليقين بغير كبر كما يفعله الكفار والمشركون، فهؤلاء -أيضاً- تتجافى جنوبهم عن المضاجع في الليل والناس نيام، أي: تبتعد وتزول جنوبهم، فالعبد ينام تارة على جنبه الأيمن، وتارة على الجنب الأيسر، وتارة على ظهره، فجنوب بدنه كلها يبعدها عن الفراش وعن الدفء وعن الزوجة وعن الراحة في ذلك الوقت، وقد لا يكون نام إلا ساعة أو ساعتين.
والمضاجع: جمع مضجع، وهو مكان النوم الذي ينام فيه المرء ويأخذ راحته، فهؤلاء تزول جنوبهم فتصبح بعيدة عن المضاجع.
قال تعالى: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: ١٦].
يدعون الله جل جلاله خائفين من ناره ونقمته وعذابه، راجين رحمته ورضاه وجنته، يبكون في الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مريض فأشفيه؟ هل من جائع فأشبعه؟ هل من عار فأكسوه؟ فيجيب الله تعالى سؤل هؤلاء الذين نبذوا فرشهم وزوجاتهم وراحتهم، وابتعدوا بجنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم وهم بين ساجد وراكع، فتارة يسجدون وتارة يركعون، وتارة يدعون، وتارة يتلون، يعبدونه خوفاً وطمعاً، خوفاً من ناره، وطمعاً في جنته.