تفسير قوله تعالى: (ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها)
قال الله جل جلاله: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٤].
لا نزال مع المجاهدين في مقاومة الأحزاب الكافرين الذين تجمعوا من كل وثني وكتابي وضال مضل من أعداء الله والإسلام.
فقوله: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا﴾ [الأحزاب: ١٤] الكلام على من قال الله عنهم في الآية السابقة: ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ [الأحزاب: ١٣].
يقص الله علينا قصص هذه الفئات المنافقة الكاذبة الذين حضروا مع جيوش المسلمين، وهم يتظاهرون بالإسلام وبالجهاد في سبيل الله، لكنهم حينما اشتد عليهم البأس، اشتد هلعهم ورعبهم، فأظهروا نفاقهم، وطائفة منهم تركوا المعركة وفروا من الزحف.
ولم يكتفوا بذلك، بل أخذوا يدعون غيرهم لترك المعركة، بل وترك يثرب المدينة المنورة.
وطائفة منهم أرادوا التوسط فكذبوا في استئذانهم النبي ﷺ متعللين أن بيوتهم مكشوفة ومفتوحة، وأنها عرضة لكل سارق ومهاجم وغاز، فكذبهم الله وقال عنهم عندما زعموا أن بيوتهم عورة: ﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ [الأحزاب: ١٣] أي: ليست مكشوفة، وليست عرضة للسارقين والمعتدين والغازين.
وهنا قال تعالى: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا﴾ [الأحزاب: ١٤].
أي: هؤلاء لو غزوا ودخل أعداء الإسلام المدينة المنورة، ثم طلب منهم أن يكفروا، وطلب منهم الفتنة في دينهم وفي أنفسهم وعيالهم، لأسرعوا إليها متسابقين.
وقوله: ﴿وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٤].
أي: لو أن المنافقين استجابوا للفتنة وأعلنوا كفرهم، فهم من الأصل كفرة، ولو سئلوا الفتنة وطلب منهم أن يعودوا للكفر جهاراً علناً لأتوا إلى ذلك مسرعين، ولو فعلوا ما طلب منهم، فإنهم لن يلبثوا بها ولن يلزموها إلا يسيراً من الوقت، ثم ستنقلب عليهم ويكونون وقود نارها وحطب جحيمها، حينها سيندمون ولات حين مندم.
فهؤلاء المنافقون كشف الله حالهم، وحقيقة إيمانهم، والمنافقون يكذبون وليس لهم من الإيمان والإسلام إلا قول اللسان.