تفسير قوله تعالى: (قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً)
قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٧].
أي: قل يا محمد لهؤلاء: من الذي يمنعكم من عذاب الله إذا شاء ذلك من هزيمة أو قتل أو أسر، ومن الذي يعصمهم من الله إن أراد بهم رحمة وأراد بهم نصراً، وأراد لهم عزاً وأراد لهم شهادة؟
و ﷺ لا أحد يعصم من الله ومن مراد الله، خيراً كان أو شراً.
وقوله: ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ [الأحزاب: ١٧].
أي: أراد غضباً ولعنة للمنافقين الفارين من القتال، أو أراد رحمة للمجاهدين المقاتلين الصادقين، من الذي يحول بين الله وعباده؟ لا أحد، بل كل عبد لله خاضع لجلاله ذليل بين يديه، لا يد له ولا إرادة ولا رغبة، ولا يستطيع أحد أن يقف بين الله ومراده.
والسوء هنا الغلبة والقهر والذل والموت.
والرحمة هنا النصر والعز والسيادة والشهادة، فمن الذي يحول بين الله وبين عباده المؤمنين أن ينصرهم ويعزهم، أو ينيلهم الشهادة، برحمة الله ورضوانه؟ ومن الذي يستطيع أن يحول بين الله وبين من عصاه من عباده من المنافقين والكافرين، إن أراد لهم سوءاً وذلاً وهواناً وغلبة؟ لا أحد يستطيع أن يتأله ولا أن يغالبه جل جلاله وعز مقامه.
وقوله: ﴿وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٧].
أي: هؤلاء المهزومون المنافقون لم يجدوا لهم ولياً يرجعون إليه، ولا قريباً ينتصرون به ويعتزون بسلطانه وقوته، ولم يجدوا نصيراً ينصرهم، ويقف حائلاً بينهم وبين عذاب الله وعقابه، وإنما يخرجون من الدنيا ويلقون في حفرة فرادى بلا أولاد، ولا أنصار، جاءوا إلى الدنيا فرادى وسيذهبون ويخرجون منها فرادى، فلا يحول بينهم وبين مراد الله أحد في الأرض لا ولي ولا نصير، فلا حول مع حول الله، ولا قوة مع قوة الله، إن القوة لله جميعاً.