تفسير قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١].
أي: يا مسلمون في عموم أقطار الأرض لم لا تتخذون محمداً نبي الله الأسوة والقدوة الصالحة؟! فنبي الله عليه الصلاة والسلام قد أوذي في مكة وأوذي في المدينة، وحضر هذه المعارك بنفسه الشريفة عليه الصلاة والسلام فشتم، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه، وهجر سنوات حتى اضطر مع أصحابه أن يأكل ورق الشجر زمناً ودهراً، وقيل عنه: ساحر، وقيل عنه: كاذب، ومع كل هذا لم يزده ذلك إلا رسوخاً في الله وثباتاً في أمر الله وقياماً بدعوة الله، وهاهو في غزوة الأحزاب شارك بنفسه عليه الصلاة والسلام، وأخذ المعول وكسر الصخور والأحجار، وثبت ثبوت الجبال الرواسي، فلم يبخل بنفسه ولا ماله، ولم يخف عدواً مهاجماً أو مترصباً أو محاصراً، فلم لا تتخذون يا هؤلاء نبيكم محمداً عليه الصلاة والسلام القدوة والأسوة؟! قرئ: (الأسوة) و (الإسوة) وكل ذلك متواتر في القراءات السبع، وهما بمعنى واحد.
(الأسوة) مكان التأسي والاقتداء والاتباع، والله جلا جلاله أمرنا بأوامر ونهانا بنواهٍ، وأنزل علينا الكتاب فيه بيان الحلال والحرام، وفيه بيان الآداب والرقائق، وفيه تفصيل العقائد، وفيه الكلام على الدنيا والآخرة، فيه خبر أهل الجنة وأهل الجحيم، وصفة كل واحد منهم.
ومع ذلك فكل هذه التفاصيل أجملها الله تعالى في أن تتخذوا محمداً نبيكم رسول الله أسوة وقدوة، فانظروا عمله وهديه وعبادته وشجاعته وكرمه فاجعلوه قدوة وأسوة، هذا إن كنتم صادقين في الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر.
أما إذا كان الإسلام باللسان فقط والقلب ينكر ما يقوله اللسان فذاك النفاق، والمنافق لا يأتسي بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يقتدي به، ولا يصدق رسالته، ولا يخلص لدعوته.
وقوله: (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ).
أي: يرجو رحمته ويرجو جنته ويرجو رضاه، ويخاف عذابه ونقمته، يخاف عذاب الآخرة، يخاف يوم الحساب ويوم العرض على الله، فهو في الدنيا يعيش بين خوف وطمع، يخاف عذاب الله، ويرجو رحمة الله.
وقوله: (وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
أي: هو كثير الذكر باللسان، والذكر بالجوارح؛ ليكون مؤمناً حقاً لا شائبة نفاق فيه.