تفسير قوله تعالى: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء)
قال الله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٤].
أي: هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وما بدلوا ولا غيروا، وقضوا نحبهم، فعل الله ذلك بهم، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ما وعدوه في دينهم، وفي طاعتهم وفي حياتهم.
فقوله: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٤] أي: بسبب صدقهم، فيجازيهم الله الجزاء الأوفى بدخول الجنان، وبرضاء الله، وبمصاحبة نبيه ﷺ يوم القيامة في الجنة، وفي الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٤].
أي: ليبتلي هؤلاء وهؤلاء، أما الصادقون فيجازيهم بصدقهم، وأما المنافقون فيعذبهم إن شاء أو يتوب عليهم.
وكيف تكون التوبة على المنافقين والكفار؟ يتوب عليهم بأن يلهمهم التوبة من النفاق والكفر، بالرجوع إلى الله والصدق في الإيمان، والإخلاص في طاعة الله وطاعة نبيه.
إذاً: هؤلاء يتوب عليهم من النفاق، فيخلصون لله، ويعودون لله، حتى إذا تابوا من النفاق تاب الله عليهم ليتوبوا، والنفاق في العقيدة كفر، والكافر لا توبة له في الآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] لكن ما داموا أحياءً لم يموتوا بعد فتوبتهم أن يعودوا من الكفر والنفاق، ويخلصوا النية والعمل لله، فتكون تلك توبة لهم ومغفرة لذنوبهم، فيختم الله حياتهم بخير.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٤].
أي: يغفر الذنوب جل جلاله، ويتوب على المذنبين جل جلاله، وهو رحيم بعباده، وقد سبقت رحمته غضبه، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، فالكافر والمنافق عندما يتوبان من النفاق والكفر في دار الدنيا يختم لهما بخير، والمؤمن المذنب يرحمه الله ويغفر له ذنوبه، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ووسعت رحمته حتى الحيوانات والحشرات، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (دخلت امرأة النار في هرة؛ لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).
وفي الحديث: رحم الله بغياً وغفر لها برحمتها لكلب وجدته يكاد يموت عطشاً على رأس بئر، فسقته بنعلها.
فراعى الله ذلك لها ورحمها حيث رحمت هذا الحيوان.
وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
فرحمة الله وسعت كل شيء، الكافر والمؤمن، والحيوان وكل خلق الله.