تفسير قوله تعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً)
قال الله تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥].
رد الله الذين كفروا من الأحزاب من أهل مكة، ومن أهل نجد، ومن يهود المدينة بغيظهم، ردهم خائبين أذلاء، ردهم بغيظهم يعضون أناملهم ندماً، رجعوا خائبين مما كانوا يطلبونه من النصر، ومن غنيمتهم، ومن قضاء على الإسلام، ومن قتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ما حصلوه ذلاً لأنفسهم وبلاءً عليهم، وكارثة أصابتهم في الدنيا، فازدادوا توجعاً وألماً وحقداً، ولم ينالوا خيراً في الدنيا ولا وفي الآخرة، لم ينالوا في الدنيا ما كانوا ينتظرونه من نصر، ومظهر، ولن ينالوا في الآخرة إلا الخزي والعذاب والخلود في النار.
وقوله: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب: ٢٥]: أي: كفى الله المؤمنين من المهاجرين والأنصار وسيدهم القتال، كفاهم القتال بالريح التي أرسلها عليهم، فشردتهم وشتتتهم، وبالملائكة الذين أرسلهم الله وزعزعوا بهم الأرض، وأكفئوا قدروهم، وخوفوهم وأرعبوهم، وهكذا تولى الله جل جلاله بنفسه قتال هؤلاء وإذلالهم، حتى رجعوا بغيظهم لم ينالوا خيراً.
وقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥].
قوياً في ملكه، قوياً في إرادته، إن القوة لله جميعاً، يهب منها لمن يشاء ابتلاءً أو إكراماً، وينزعها ممن يشاء ابتلاءً أو إكراماً، عزيزاً لا ينال، وهو قد أعطى من قوته للمؤمنين، فقووا على أعدائهم، وأعطى من عزته المؤمنين فعزوا وسادوا، ومن هنا كان صلى الله وعليه وسلم يقول وقت المعركة: (اللهم منزل الكتاب، هازم الأحزاب، سريع الحساب، اهزمهم وانصرنا عليهم).
وكان ﷺ يقول: (لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ولا شيء بعده).
والنبي عليه الصلاة والسلام من تمام إخلاصه في دينه وعبادته لربه مهما بذل من نفسه، فإنه كان لا ينظر لنفسه شيئاً، بل كان يجعل كل ذلك إلى الله، وهكذا يجب أن يكون المؤمن الصادق.


الصفحة التالية
Icon