معنى قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات)
قوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥].
المسلم من أسلم وجهه لله جل جلاله، واستسلم لأمره ونهيه، واستسلم لقضائه.
والإسلام قد يعم الإيمان كما يعم الإيمان الإسلام، ولكن يذكر الإسلام في أعمال الجوارح الظاهرة، كما في حديث جبريل عندما جاء سائلاً رسول الله ﷺ عن الإسلام: (ما الإسلام؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) إلى آخر الأركان، ثم سأله عن الإيمان؟ فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته).
فكان تعريف الإسلام أنه العمل بالجوارح الظاهرة، من نطق باللسان، وعمل بالأركان من صلاة وصيام وزكاة وحج، وهي كلها أعمال ظاهرة بارزة تُعمل بالأركان.
والإيمان: التصديق، وهو عمل القلب، ولا إسلام بلا إيمان ولا يتم إيمان إلا بالإسلام، فقد نافق أعراب وجاءوا نبي الله ﷺ وقالوا له: آمنا، ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤] كانوا كذبة.
والمنافقون قالوا: أسلمنا باللسان، وجلسوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضروا معه الجمع والجماعات ولكن قلوبهم لم تكن موافقة لأركانهم، فالجنان لم يتفق مع اللسان، وإنما آمن اللسان وكفر الجنان، فكشفهم الله وفضحهم، ولذلك ذكر الله هنا المؤمن والمؤمنة والمسلم والمسلمة، وذكر الإسلام الذي هو عمل الأركان وعمل الحواس، وذكر الإيمان الذي هو عمل القلب؛ ليكون ذلك كاملاً تاماً.
فقوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥].
أي: هؤلاء أسلموا بأن فعلوا الأعمال بالجوارح من يد ولسان وسمع ورجل وغير ذلك، ثم أكدوا ذلك بالإيمان والتصديق به، فكان الإسلام كاملاً وكان الإيمان كاملاً.
وقد يؤمن الإنسان ولا ينطق به، فالإيمان غيب من عمل القلب، كما أن من يظهر لنا الإسلام بذكر الشهادتين وبدخول المساجد وبالقيام بالأركان نقول له: قد آمنت حقاً، وإن لم يفعل ذلك نعتبره كاذباً، إلا إذا منع من القول بسبب خرس أو ما إلى ذلك، فالأخرس تكفي إشارته، وتكفي كتابته إن كان يكتب، ويعتبر معذوراً، فيكون مسلماً بالجوارح بما نراه من صلاة، وقد ورد في الحديث: (أن رجلاً نذر أن يعتق رقبة مؤمنة، فجاء إلى رسول الله بجارية فقال: يا رسول الله أتصح هذه أن أعتقها وقد نذرت أن أعتق مؤمنة؟ فسألها عليه الصلاة والسلام من أنا؟ قالت له: أنت رسول الله، فسألها النبي عليه الصلاة والسلام عن الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فاكتفى منها بالإشارة، حيث أشارت بيدها إلى العلو، والله تعالى قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] فاعتبر ﷺ إشارتها إسلاماً كافياً في أن تُعتق، وأن يحقق هذا الذي نذر أن يعتق مسلمة، فكانت هذه مسلمة بالإشارة.


الصفحة التالية
Icon