الحكمة العظمى من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
إن الحكمة الأخيرة الكبيرة جداً من تعدد زوجاته ﷺ هي: أن السيرة النبوية داخل البيت سترويها لنا زوجاته، فهو يصلي العشاء عليه الصلاة والسلام ويدخل البيت من العشاء إلى صلاة الفجر ماذا يصنع في بيته؟ وعندما يدخل البيت نهاراً ماذا يصنع؟ هل سيرته الباطنة بين نسائه كسيرته الظاهرة؟ ليس كذلك رؤساء الأرض قديماً ولا حديثاً، بل تجد لهم شخصيات مزدوجة، فأمام الناس يتظاهرون بالتقوى وفي داخل دورهم فسقة فجرة، وأمام الناس يتظاهرون بالإسلام وفي داخل دورهم منافقون دجالون أعداء الإسلام والمسلمين.
والنبي عليه الصلاة والسلام بدا لغير المؤمنين أنه ملك وزعيم للعرب، وهؤلاء كانوا يراقبون حركاته ويراقبون سكناته، وقد فعلوا، فقد كان مع أصحابه في الحرب والسلم في السفر والحضر، في المساجد وبين أتباعه، أما داخل الدار فكيف يعرفون سيرته؟ فكان هؤلاء النساء التسع من قبائل شتى ومن أسنان مختلفة هن اللاتي يحكين لنا سيرته الداخلية، ولو رأين ما يسوء وما يؤذي لتكلمت إحداهن.
وقد قالوا في الأمثال: إذا أردت أن تذيع سراً وأن ينتشر بين الناس فاذكره لامرأة وأوصها بالحفاظ على السر، فهي بطبيعتها سواء كانت أماً أو زوجةً أو بنتاً، تنشر ذلك السر؛ لأن الإيصاء بالسر كأنك تحضها على الإعلان، وهؤلاء النساء كن يتخاصمن كالنساء، فلو رأين من رسول الله ما يسيء وما يخالف الظاهر لذكرن ذلك.
وعلى كثرة أعدائه عليه الصلاة والسلام، وعلى كثرة المتربصين به في عصره وبعد عصره وإلى عصرنا هذا، وعلى كثرة الأكاذيب التي كذب بها عليه ﷺ لم يدع أحد قبل ولا بعد أن النساء رأين عليه شيئاً داخل البيت، لا خديجة الأولى ولا عائشة الصغيرة ولا الزوجة المسنة ولا ولا، فكلهن لم يذكرن إلا خيراً وأكثر من ذلك، فنشرن شريعة الله داخل الأسر، كيف يعيش أباً في داره؟! كيف يعيش زوجاً في داره؟! كيف يعيش جداً بين أحفاده؟! ما الذي يصنع في داره؟! هل كل ذلك نوم وراحة؟ لا، بل مما بلغننا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقوم أكثر الليل يتهجد فيه، وكان يعين نساءه على شئون البيت عليه الصلاة والسلام، فقد كان يرقع نعله، ويكون في مهنة أهله، وكان يذبح الشاة ويسلخها بيده ويجعلها في أواني الطبخ والعمل، وكان إذا كلفهن لا يكلفهن بما يعجزن عنه.
هذا الذي تواتر وهذا الذي نشر، وهذا الذي رواه المؤمن والكافر، ورواه المخلص والمنافق، فأي كلام بقي لمن يقول: لم تزوج النبي تسع زوجات؟ فهؤلاء قبل أن يفقدوا الدين والشرف والكرامة فقدوا العقول، فعقولهم لا تدرك، ونفوسهم لا تعي، يهرفون بما لا يعرفون، ومن كان كذلك فما جزاؤه إلا الإغفال والإهمال والدوس بالأقدام.
والقافلة سائرة، ودع الكلاب تنبح.
قال تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ [الأحزاب: ٥٠] هذه الآية بخصوصيات النبي عليه الصلاة والسلام، فقد أباح له ما أباح لكيلا يتحرج ولا يضيق ولا يتبرم ولا يظن أن في ذلك إثماً، بل كل ذلك فعله الله له للتوسعة عليه.
ثم قال: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٠].
أي: كان الله غفوراً لعباده، غفوراً لذنوبهم وإساءاتهم، مع ما فرض لهم من أربع زوجات ومن مهر وشهود وولي، ومن إماء إن شاءوا بلا حصر، ومع ذلك قد يقصرون وقد يخالفون، لكنهم إن تحروا الأسوة برسول الله فيما كان عاماً، وأطاعوا ربهم ونبيهم، ثم ما يصدر عنهم بعد ذلك من شيء لم يقصدوه أو جاء عن جهالة ثم تابوا وأنابوا فالله يغفر ذلك ويرحمهم، ويلحقهم بالرعيل الأول من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه.


الصفحة التالية
Icon