حكم نظر الخاطب لمخطوبته وضابطه
اختلف أئمة المذاهب ما الذي يجوز للخاطب أن يرى من المخطوبة؛ واختلفوا هل يجوز له النظر إليها بغير إذنها؟ ذهب الجمهور ومعهم في ذلك النص إلى أن هذا حق أعطاه له رسول الله عليه الصلاة والسلام، فله أن ينظر إلى المخطوبة بغير إذن ولا موافقة منها ولا من أهلها، فهو لم يرد ريبة وإنما يريد تحصين نفسه، ويريد أن يضمها إليه؛ ليكوّن بها أسرة وأولاداً يشهدون أن لا إله إلا الله.
ما الذي يجوز له أن يرى منها؟ فالجمهور قالوا: يرى منها وجهها ويديها.
وقال الأوزاعي وغيره: يرى منها إن شاء مواضع اللحم، أي: الساقين والفخذين والذراعين.
وقالت الظاهرية: له أن يراها عارية لا بالاتفاق معها، ولكن بأن يتحايل ليصل إلى ذلك.
وهذا القول شاذ، وهم أخذوا هذا الحكم من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن يتزوج فلينظر إلى ما يعجبه منها) قد يقول: يعجبني منها قوامها، ويعجبني صدرها، وكل محاسنها.
وهم بنوا هذا الكلام إذا كان صادقاً في الخطبة لا يريد أن يتلاعب ببنات الناس وينظر إلى عوراتهن، فإن كان غرضه التلاعب فهو فسق ودعارة، وهو قلة دين، وإن علم به يعزر.
وهناك قوم من معاصرينا من المنتسبين للدين والصلاح يفهمون الدين أحياناً فهماً أعرج، يمشي على رأسه لا على رجليه، فتجد عندما يأتيهم الخاطب ويقول: أريد أن أتزوج ابنتك وأريد رؤيتها، فتجد الولي ينادي: يا فلانة تعالي فيراها، لم يقل هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام وليس هذا من الشرع، بل هذا أشبه ببيع الجواري، فالولي الذي يفعل ذلك سواءً كان أباً أو غير أب لا يؤتمن على بناته ولا على ولياته، ويحدث هذا كثيراً، فلو رآها ولم تعجبه ماذا ستكون النتيجة؟ لا يتزوجها، ويقال: فلان رأى بنت فلان أو أخته أو وليته فلم يتزوجها، فيقولون: لم تعجبه، لعله وجد عيباً أو نقصاً فيكون ذلك فضيحة لها، ويكون ذلك تنفيراً من زواجها، وطعناً في كرامتها، ولا يليق هذا بمسلم، ولا يليق بوليها أن يفعل ذلك بوليته، ولكن الذي أذن به عليه الصلاة والسلام أن يراها دون إذن الولي ولا الأب، فمثلاً البنت تدرس في مدرسة أو جامعة له أن يتعقبها إلى أن يراها، وذلك مأذون فيه في هذه الحالة، وإن علم الأب والولي وأن الذي يجري لرؤيتها بهذه الطريقة فلا يتكلم ولا يمنع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد أعطاه هذه الحق، فإن تزوجها فذاك، وإن لم يتزوجها لم يدر أحد بما حصل، فلا يقال: فلان خطب ورأى بنت فلان ولكنها لم تعجبه، فيذهب يطعن فيها، ليس هذا عمل العقلاء ولا الأولياء المخلصين لبناتهم ومولياتهم، إنما يفعل هذا من يبيع الإماء والجواري والعبيد.


الصفحة التالية
Icon