النهي عن إذاية الرسول وتحريم التزوج بنسائه من بعده
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣].
زعموا أنه عندما نزل الحجاب قال طلحة بن عبيد الله وهو تيمي من عشيرة عائشة: لم يحجب عنا بنات عمنا؟ لو مات رسول الله لتزوجت عائشة.
فكان هذا القول عظيماً، وإن كان هذا الكلام عن طلحة نفاه البعض من السلف والإمام السيوطي ذكر: أن رجلاً يسمى طلحة بن عبيد الله وليس هو طلحة بن عبيد الله الذي هو أحد الستة المرشحين للخلافة، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وهو الذي شلت يده يوم أحد دفاعاً عن رسول الله ﷺ وبقيت معطلة لم يستفد بها.
وقال بعضهم: عندما قال طلحة هذا إنما قاله على العادة من أن العرب المسلمين كانوا يتزوجون من مات عنهن أزواجهن ومن طلقهن أزواجهن، فاعتبروا هذه حسب العادة، ولكن عندما نزلت الآية وقال الله عن هذا إنه إذاية لرسول الله، وأن الزواج بنسائه بعده أمر عظيم وخطر عظيم وبلاء عظيم في الإسلام، تركوا هذا القول وتابوا إلى الله منه.
وفي حياة أبي بكر تزوجت امرأة طلقها الرسول ﷺ قبل الدخول بها، فانزعج أبو بكر وهم بقتلها وقتل من تزوجها، فقال له عمر: أربع على نفسك، لم ينزل عليها حجاب ولم يدخل بها رسول الله، ولم يتم له عقد عليها ولم تسم بأم المؤمنين، وبالتالي فليست زوجة لرسول الله.
بعد هذا هدأت نفس أبي بكر.
أما لو حاولت إحداهن وحاشاها من ذلك أن تتزوج أو حاول أحد أن يخطبهن لقتله أبو بكر والمؤمنون.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥٣] سواء الإذاية بالإثقال عليه بالكلام أو بقلة الأدب معه، أو بمخالفته وعصيانه، أو غيرها من أنواع الإيذاء.
ومن الإيذاء الزواج بإحدى أمهات المؤمنين، وما سماهن الله أمهات للمؤمنين إلا لأنهن محرمات على الرجال تحريم الأم أدباً واحتراماً، ولسن بأمهات حقيقة، ولا يجوز للمؤمنين أن يجلسوا معهن أو أن يكلموهن إلا من وراء حجاب.
﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] والنكاح يقصد به العقد والخطبة وما سوى ذلك، فكل ذلك قد حرمه الله.
وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣]، أي: كان هذا الأمر شيئاً فظيعاً عظيم الإثم، من الكبائر ومن الجرائم لمن فكر فيه، فضلاً عن أن يطلبه أو يسعى فيه، سواء من الرجال أو من أمهات المؤمنين أنفسهن.
هل هذا الحجاب خاص بأمهات المؤمنين أو عام لكل المؤمنات؟ الحجاب عام لكل المؤمنات، ما أمر رسول الله ﷺ بأمر إلا وكان ذلك أمراً عاماً لجميع الرجال والنساء، إلا ما خص الله به نبيه دون المؤمنين، كما قال عن الواهبة نفسها، وكما خصه الله بتسع نسوة، وكما خصه الله بالتهجد ليلاً فرضاً، وكما خصه بتحريم أكل الثوم والبصل والكراث وما فيه رائحة كريهة، وهو حلال لكل المؤمنين، ولكن إذا أكلوه وكان نيئاً وكانت رائحته ظاهرة يخرجون من المسجد إن دخلوه، حتى تنقطع منهم تلك الروائح الكريهة.
إذاً: الحجاب حسب هذه الآية يشمل بدن المرأة، وكما قال ابن عباس وابن مسعود: (المرأة كلها عورة، وإنما أذن لها بكشف عين واحدة أو عينين للنظر).
ومن باب أولى إن خرجت لشغلها أو للضرورة من الدين والدنيا أن تخرج غير متبرجة ولا متعطرة ولا متزينة ولا مظهرة محاسنها لأحد، ولا متكسرة في مشيتها في الشوارع، شأن من يعرضن أنفسهن على الرجال من الفساق والفخار.


الصفحة التالية
Icon