تفسير قوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨].
أي: كما حرم الله إيذاءه بالقذف والقول بما لا يليق بعزته وجلاله من نسبة الولد والصاحبة له، وحرم إيذاء رسوله صلى الله عليه وسلم، كذلك حرم الله إيذاء المسلمين.
وإيذاء الله ورسوله كفر وردة، وجزاء فاعل ذلك القتل، وأخذ المال غنيمة، وإيذاء المؤمنين إن كان بحق كأن يرتكب جريمة يستحق عليها الحد من قتل أو زنا أو سرقة أو قذف أو شرب خمر أو ما إلى ذلك؛ فهذا يكون إيذاءً بحق، وبما اكتسب هؤلاء من جرائم وذنوب ومعاص.
أما إذا لم يصنعوا شيئاً من ذلك وأوذوا بغير سبب موجب، أو أوذوا بشيء لم يكتسبه المؤمن ولا المؤمنة، فلا يستحق إيذاء ولا يستحق ضرباً ولا يستحق عقاباً ولا يستحق شتيمة، فمن فعل ذلك أخزاه الله وعاقبه الله.
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨] المؤذون للمؤمنين والمؤمنات حملوا في صحائفهم إثماً مبيناً وذنباً ظاهراً، وجريمة بينة، وسيعاقبون عليها في الآخرة، وقد يعاقبون في الدنيا الآخرة إذا لم يسترضوا من آذوه وسامحهم؛ لأن الله يسمح ما يتعلق به، أما ما يتعلق بالعباد فلا بد أن يغفروه ويتنازلوا عنه، كما قال الشاعر: كن كيف شئت فإن الله ذو كرم وانف الهموم فما في الأمر من بأس سوى اثنتين فلا تقربهما أبداً الشرك بالله والإضرار بالناس فالإضرار بالناس لا يغفره الله إلا إذا غفره من أوذي، والشرك بالله إذا مات المرء عليه فلا مغفرة ألبتة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].
فإذاية المؤمن والمؤمنة كبيرة من الكبائر وجريمة من الجرائم، وكل ذلك بحسبه، فإن سرقه قطع، وإن قذفه جلد، وإن انتهك حرمته عزر، وإن قال عنه ما ليس فيه كان أفاكاً آثماً.
وفي الحديث: (جاء رجل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قال: فإن كان فيه؟ قال: إن كان فيه فهو غيبة، أما إن ذكرته بما ليس فيه فهو البهتان) والبهت هو أشد الكذب.
فمن ذكر أخاه المؤمن بما ليس فيه فلا يعتبر مغتاباً فقط بل يعتبر كذاباً قاذفاً، فالبهت أكبر من الغيبة، ذاك كبيرة وهذا أكبر من الكبيرة وعليه تعزير وتأديب، فقد يصل إلى حد القذف فيجلد الحد.


الصفحة التالية
Icon