تفسير قوله تعالى: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله)
قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣].
سبق هذا السؤال في سورة الأعراف وهي مكية، وكثر في غير ما آية، وجاء في هذه السورة وهي مدنية، ومعنى ذلك: أن نبينا عليه الصلاة والسلام أكثر ما سئل هذا السؤال من كفار ومنافقين ينكرون البعث ويوم القيامة، ويأتون لرسول الله عليه الصلاة والسلام فيسألونه: متى هذه الساعة التي تتحدث عنها؟ وهل يمكن أن يعود الآباء والأجداد وقد أصبحوا رمماً وتراباً؟ وهذا السؤال قد حصل من مسلمين كذلك، لكن أولئك المنافقون والكفار يسألون سؤال استنكار، أما المسلمون فيسألون عن قرب وقتها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد سبق أن قال لهم: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى) أي: أرسلت للناس وبيني وبين الساعة والقيامة المنتظرة ما بين السبابة والوسطى.
والذي بين السبابة والوسطى قدر ضئيل.
فالأنبياء الذين ذكرهم الله في كتابه لا يتجاوزون خمسة وعشرين، وأنبياء الله كما أخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام أنهم جم كثير ثلاثمائة وزيادة، وكم بين النبي والنبي، وكم بين الأمة والأمة، وإنما ذكر الله لنا قصص خمسة وعشرين نبياً؛ لأخذ العبرة والدرس، حتى إذا ارتكب المسلمون من أمة محمد ﷺ ما ارتكبه الأولون الذين دمروا، والذين زلزلوا، والذين فاض عليهم الفيضان، والذين رجموا من السماء وزلزلت بهم الأرض وكان مما فصل الله، فيحذروا أن يحصل لهم ما حصل لمن قبلهم، فيتوبوا إلى الله.
فقوله: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأحزاب: ٦٣] أصبحت كلمة (الساعة) إذا أطلقت تعني القيامة وتعني البعث والنشور، وتعني الحياة الثانية عندما تزرع فينا الأرواح، ونقوم للعرض على الله في أرض المحشر، فإما إلى جنة وإما إلى نار.
وقوله: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأحزاب: ٦٣] كلمة (الناس) هنا تشمل المؤمن والكافر، أي: كلهم قد سألوا.
وقوله: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٦٣] أي: قل لهم يا رسول الله: إنها مما استأثر الله بعلمها، فلا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
فلا يعلم وقتها بالتحديد إلا الله.
وقوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ [الأحزاب: ٦٣].
أي: إذا لم أعلمك بها أنا فلا أحد يعلم بها لا ملك ولا رسول، وإنما الذي يعلمها الله تعالى، كما قال سبحانه: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٦ - ٢٧].
فما يعلم الله به نبيه ﷺ من الغيب يقوله للناس، وما لا فلا.
وقد استأثر الله بأشياء من الغيب منها علم الساعة، فقد جاء جبريل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ ما الإسلام؟ ما الإحسان؟ إلى أن سأله: متى الساعة؟ قال: ليس المسئول عنها بأعلم من السائل.
يعني: أنت تسألني لتعلم وعلمي وعلمك فيها سواء، فلا تنتظر مني جواباً بعلمها.
قال: وما أمارتها؟ ألها علامة؟ قال: نعم، إذا رأيت الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان، وإذا رأيت الأمة تلد سيدها، وذكر له عدة من الأمارات، وهذه الأمارات كلها قد حدثت، وهناك أمارات صغرى وكبرى منها: خروج يأجوج ومأجوج، والريح الحمراء، والدابة، وغير ذلك من الأمارات.
والبدو هم الذين كانوا إذا ملك الواحد منهم جملاً أو حماراً وتمرات يسد بها جوعته وجرعة ماء يطفئ بها عطشه فكأنما ملك الدنيا، واليوم يملكون القصور والبنايات، ويعيشون في الرفاهية، والعيش الرغيد.
وكون الأمة تلد ربتها، يعني: أن تلد الأمة الجارية ولدها فيكون عاقاً، فيذهب يسب أمه كما تسب الأمة، وقد يضربها كما تضرب الأمة، نرى هذا قد حدث ولا يزال يحدث.
وقوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣].
أي: لعل يوم الساعة يكون قريباً، فقريباً جاء لذكر اليوم، على أن الساعة وإن كانت كلمة فيها تاء التأنيث ولكن ليس تأنيثاً حقيقياً، وما كان كذلك يذكر ويؤنث.
والقرآن هو أبلغ ما نطق به من لغة العرب، كيف وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فهذه الآية فيها إخبار من الله بقرب الساعة، وقربها بدا وظهر يوم ظهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو نبي آخر الزمان، لا نبي بعده ولا رسول، به انقطعت الشرائع والنبوءات والرسالات السابقة، وهو كما قال عن نفسه: (بعثت والساعة كهاتين) في القرب كقرب السبابة إلى الوسطى.


الصفحة التالية
Icon