تفسير قوله تعالى: (يوم تقلب وجوههم في النار)
قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا﴾ [الأحزاب: ٦٦].
أي: يوم يدخلون إلى النار مسحوبين على وجوههم يتقلبون ظهراً لبطن، تارة على الخد الأيمن وتارة على الخد الأيسر وهم يحرقون، وكلما نضجت منهم الجلود وذهبت مع لحومها جددت وأعيدت؛ ليزدادوا العذاب جزاءً وفاقاً على كفرهم بالله خالقهم ورازقهم، وعلى كفرهم بالأنبياء والرسل، وما جاءوا به من أدلة قاطعة على صدقهم، وأنهم رسل الله المتكلمون بأمر الله، ومع ذلك كذب هؤلاء فكان جزاؤهم الخلود في السعير وفي النار أبد الآبدين ودهر الداهرين، لم يجدوا ولياً يواليهم ولا نصيراً ينصرهم، فهم يقلبون ليل نهار على وجوههم في النار، فيصيحون نادمين وهيهات فقد سبق السيف العذل؛ لأنهم لم ينتهزوا الحياة قبل الموت وهم يؤمرون أو ينهون، وقبل أن يذهبوا للقبور ويسألون من منكر ونكير: ما دينكم؟ من ربكم؟ من نبيكم؟ وعندما ماتوا كفاراً لم يعرفوا جواباً.
وقوله: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ﴾ [الأحزاب: ٦٦] أي: حال كونهم يقولون: ﴿يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا﴾ [الأحزاب: ٦٦] أي: عندما يرون من يهزءون بهم ويسخرون منهم ويتسلطون عليهم قد أمنوا هذا العذاب، وأبعدوا عنه، وأدخلوا الجنة آمنين سعداء متلذذين بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فهؤلاء الكفار يقولون يا ليتنا فعلنا فعل هؤلاء، وأطعنا الله فيما أمرنا به من طاعته وطاعة رسوله وطاعة كتابه.
فهؤلاء يتمنون أنهم كانوا مع المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله، وآمنوا برسالته ﷺ وبأنه خاتم الأنبياء ولا نبي بعده، لكن ولات حين مندم، فلو آمنوا بالله الواحد، وأنه الخالق لا صاحبة له ولا ولد، ولا أول له ولا آخر، وأنه كان ولم يكن شيء معه، وأنه يعيد الخلق كما كان جل جلاله، وهو القادر على كل شيء.
وقوله: ﴿يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا﴾ [الأحزاب: ٦٦] الألف واللام في الرسول للعهد الذهني أي: محمد عليه الصلاة والسلام، وتطلق على كل رسول أرسل إلى قومه أيام زمانهم؛ لأن هذا القول سيقوله جميع الأمم الذين كفروا بربهم وبالنبي المرسل لهم، فكل واحد يقول: ليتني أطعت الله ورسوله المرسل إليَّ.
إذاً: قوله: (الرسولا) في هذه الآية ألف (الرسولا) يقولون عنها: ألف الفواصل؛ لأنها تفصل بين الآي والآي وبين المعنى والمعنى، ولا يصح أن تقول: أطعنا الله والرسول.
وهذا من تمام فصاحة اللغة العربية وبلاغتها، ولا يوقف عليها بسكون اللام وإنما يوقف عليها كما هي.


الصفحة التالية
Icon