تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى)
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩].
أي: يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا رسول الله كما آذى بنو إسرائيل رسولهم موسى، وقد آذى رسول الله عليه الصلاة والسلام المنافقون الذين زعموا الإسلام ظاهراً وأبطنوا الكفر.
وهناك مسلمون مغفلون كانوا قليلي الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وسبب نزول هذه الآية أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم مالاً، وكان هناك أعرابي فقال لرسول الله ﷺ مواجهة: هذه قسمة لم يرد بها وجه الله.
وقد يكون هذا البدوي منافقاً بهذه الكلمة، وقد تكون بدويته دفعته إلى الجهل بمقام النبوة، وذهب يتأدب معه حسب الملوك والأمراء فأراد أن يكون جريئاً، ولكن عدم الأدب مع الملوك والأمراء لا يحكم على صاحبه بكفر ولا نفاق، أما مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فتلك الردة، وجزاء فاعل ذلك القتل.
مثال غير الرسول صلى عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه جاءه إنسان يطلب حقاً، فأجابه أبو بكر بكلام لم يرضه، فشتم أبا بكر، فغضب أبو بكر غضباً شديداً وكان بمحضره أحد الأصحاب، فقال: يا خليفة رسول الله مرني بقتله، فهدأ أبو بكر وذهب ما كان في نفسه من الغضب فقال: أكنت فاعلاً لو أمرتك، قال: والله نعم، قال: ويلك، لا يكون ذلك مع أحد إلا مع رسول الله.
أي: لا يقتل الساب والشاتم وقليل الأدب إلا إذا فعل هذا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولـ ابن تيمية كتاب عظيم الشأن في هذا الجانب اسمه (الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم) وقد طبع أكثر من مرة، وهو ما يقرب من (٨٠٠) صفحة، ويذكر فيه القصص بالأدلة والبراهين القاطعة، وأن شاتم النبي عليه الصلاة والسلام وقليل الأدب معه يقتل ولو قال: أنا تائب.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩] أي: لا تؤذوا رسولكم كما آذى اليهود نبيهم موسى، وكان موسى عند الله وجيهاً، كان إذا طلب ربه ودعاه استجاب له؛ لأن له مكانة عنده، شأنه كشأن الرسل والأنبياء، وخاصةً أولي العزم من الرسل: نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
ولقد آذى اليهود موسى بعدة أنواع من الإيذاء، والآية لم تذكر نوعاً معيناً، ونحن نذكر أنواعاً من أذى بني إسرائيل لموسى: من ذلك أنه كان من شريعة اليهود أنهم لا يتسترون، ولا عورة عندهم، فكان موسى حيياً ستيراً يحب الستر، حتى إنه كان إذا دخل نهراً للغسل يدخل بثيابه، فأخذ أتباعه يقولون: موسى لا يحرص على هذا إلا وفيه مرض في رجولته؛ فلذلك هو يحرص على ذلك.
وفي يوم من الأيام دخل نهراً ولم يكن أحد، فوضع ثيابه على حجر، ووضع حجراً آخر عليها؛ خوفاً من الرياح، وإذا بهذا الحجر يتحرك ويذهب بثيابه، فطفق موسى يلحق هذا الحجر وينادي: ثيابي حجر ثيابي حجر، إلى أن وقف الحجر على ملأ من بني إسرائيل، فرأوه سليم البدن ليس به برص ولا مرض، فعند ذلك كما قالت الآية: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ [الأحزاب: ٦٩] والحديث في الصحيحين.
ومن أنواع الأذى: أن هارون مات فدفنه موسى، فقالت له اليهود: أنت قتلته واتهموه بذلك، وهو أخوه الذي سأل الله له أن يكون رسولاً نبياً مقرباً منه، قال تعالى مخبراً عن موسى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي﴾ [طه: ٢٩ - ٣٠].
ومما آذوه به كذلك: أنهم إذا أمرهم بأمر يقولون في وجهه ما يتشككون في أمر النبوة والرسالة.
المهم كان اليهود يؤذون نبيهم، فالله قال للمؤمنين: إياكم أن تؤذوا رسولكم كما كان اليهود يؤذون موسى، أولئك بأذاهم لنبيهم وقولهم على ربهم ما لا يليق به ارتدوا وكفروا ولعنوا لعن الأبد.
وما سلطوا برهة من الزمن على المسلمين إلا بعد أن ترك المسلمون كتاب الله وسنة نبيه، فينبغي للمسلمين أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة، لا أن يجروا خلف اليهود ويتبعوهم.
وهكذا كلما رأينا محنةً أو عذاباً فهو بأعمالنا وبعصياننا وبمخالفتنا لأمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon