معنى الأمانة وأحكامها
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢].
شرحنا في الدرس السابق بعض معاني هذه الآية العظيمة الكريمة، ونحن اليوم نتمم ذلك بعون الله وتوفيقه.
هذه السورة فيها أحكام خاصة بالنبي صلى الله عليه وعلى آله، وفيها أحكام عامة للمؤمنين، فناسب أن تكون خاتمتها أمراً شاملاً لكل تلك الأحكام ولجميع تلك المعاني، فذكرت الأمانة، وقد قيل: (لا إيمان لمن لا أمانة له).
والأمانة كلمة فسرت بتفاسير متعددة، فسرت بكلمة الشهادة، وفسرت بالإسلام، وفسرت بالقيام بالأركان، وفسرت بحفظ ودائع الناس، وفسرت بالعدل ونشره في الأرض ودفع الظلم وقتال الظالمين، وفي الحقيقة أن الأمانة كلمة جامعة شاملة، تشمل الإسلام في جميع أركانه، المؤمن مؤتمن على عقيدته ومؤتمن على طاعة ربه، ومؤتمن على حواسه بألا يرى ما حرم الله، وألا يسمع ما حرم الله، وألا يحل ثيابه فيما حرم الله.
والمرأة مؤتمنة في دينها وعلى نفسها وفي مال زوجها.
والأمّة مؤتمنة على أوطانها وعلى دينها وعلى فقرائها ومساكينها.
والدولة مؤتمنة على رعاياها وعلى حدود بلادها وعلى نشر العدل بينهم.
فإذا زالت الأمانة ضاع الإيمان بين الناس، وضاعت البلاد، وهتكت الأعراض، وضاعت الأموال، وأصبح الإنسان حيواناً في غاب لا يقدم ولا يؤخر ولا يحلل ولا يحرم، شأن الكافرين في أحوالهم وأعمالهم.
هذه الأمانة التي بهذه المعاني قال الله فيها: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا﴾ [الأحزاب: ٧٢].
قال ربنا للسماوات: أتحملن الأمانة فإذا أحسنتن أثبتن بالخير وإذا أسأتن عوقبتن؟ فأشفقن وخفن وعجزن وأبين قبول ذلك، وكان عرضاً ولم يكن أمراً، وكان تخييراً ولم يكن إرادة صادرة، وإلا فلو أمر الله فليس لأحد أن يعصيه ولا أن يخرج عن أمره.
وقال جل جلاله مثل ذلك للأرض، وقال مثل ذلك للجبال وهي جزء من الأرض، فامتنع الكل وأبى لا معصية، ولكن خوفاً وعجزاً، خوفاً من الله أن يعجزن عن تحمل هذه الأمانة، فيمحقن ويدمرن ويزلن.