مقدمة بين يدي سورة سبأ
سورة سبأ سورة مكية، فقد نزل بها الروح الأمين عن رب العزة جل جلاله على قلب نبينا خاتم الأنبياء عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، وكان ذلك في مكة المكرمة مسقط رأسه الشريف، ومنزل الوحي الأول، وبيت الله الحرام، ومركز الكعبة المشرفة، ومناسك الحج المقدسة.
والجمهور يقولون: هي مكية إلا آية، وزعم قوم -بعد أن أجمعوا على أنها مكية- أن هذه الآية مدنية، والآي في أكثرها تدل على أنها مكية.
ولكن من سبأ الذي سميت به السورة؟ جاء من يسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما سبأ يا رسول الله! أرجل هو أو امرأة أو أرض؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: هو رجل كان له عشرة أولاد، تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة)، أي: ستة ذهبوا لليمن، وأربعة ذهبوا إلى الشام.
قال النسابة: هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ولذلك أكثر ما يقال عن عرب اليمن: القحطانية، ومنهم ملوك سبأ، ومنهم بلقيس صاحبة سليمان في القصة التي مضت، وأخذنا منها العبر والحكم والأحكام.
وهذا الاسم هو من باب تسمية الكل باسم البعض، وذلك في الآية الخامسة عشرة: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا﴾ [سبأ: ١٥ - ١٦]، فعندما أعرضوا عن النعم والمغفرة أصابهم الله بما أصابهم به.
هذه السورة التي سميت بسبأ، سيقص الله علينا فيها قصته مع ما يتخللها على عادة القرآن الكريم من حكم وعبر وأحكام وآداب ورقائق، ونحن مع القرآن ومع السنة الطاهرة وخاصة في كتاب الله يجد الدارس والتالي والعالم والطلاب يجدون أنفسهم في روض فيه من كل ثمرة زوجان.
ففيها صفات الله ونعوته الكريمة، وتحدثت عن الأنبياء وكيف أكرمهم الله بالنبوءة وأوحى إليهم، وعن الأمم السابقة العاصية والمطيعة، وقصة بدء الخليقة منذ خلق آدم من تراب وإلى يوم القيامة، وعن الحلال والحرام، والآداب والرقائق والقصص، فلا تجد المدرس ولا الطلاب يملون منها؛ لأنهم يتنقلون من زهرة إلى وردة، إلى عسل إلى ثمرات طيبات في كتاب الله.
وعن نفسي أقول قبل أن أقول عنكم: عندما أدرس كتاباً مصنفاً على طريقة كتب الفقه، وأجد نفسي أبقى في أبواب الطهارة الشهور المتعددة، وقل مثل ذلك على بقية الأبواب، فإني أمل وأكل، وأما مع كتاب الله وسنة رسوله في المسانيد المرتبة على أسماء الرواة من الصحابة لا على أبواب الفقه، فالإنسان ينتقل من حديث في أول الخلق، إلى حديث في الله، إلى حديث في النبوءة، إلى أحاديث في الأحكام والحلال والحرام، وهكذا، فلا يمل، وهكذا نحن في كتاب الله، وقد أعاننا الله وتابعنا بيانه وشرحه ولنا إلى الآن تسع سنوات بنشاط وغبطة ولله الحمد، وعدم ملل البتة، وكما نرجو من الله الذي أعاننا في الماضي أن يعيننا في الآتي إلى إتمامه بفضله وكرمه.


الصفحة التالية
Icon