تفسير قوله تعالى: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
قال تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سبأ: ٤ - ٥].
قال تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [سبأ: ٤]، لم كانت القيامة؟ ولم جعل الله لهذه الدنيا الدنية حياة فانية؟ حتى لا يفر الظلمة في الأرض بظلمهم وبجبروتهم وبطغيانهم، ويظنون أن الأمر كان سبهللاً، وأن الضعيف لا يجد من يدافع عن حقه، وهيهات هيهات، ما كانت الآخرة إلا للحكم العدل، وسيكون الحاكم العدل أحكم الحاكمين الله جل جلاله.
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ [سبأ: ٣] لم؟ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [سبأ: ٤] ليجزيهم أجر ذلك، ليجزيهم ويحسن إليهم ويكافئهم على ما فعلوه من طاعة وعبادة، وهيهات أن يكون المحسن كالمسيء، والجاهل كالعالم، والظالم كالعادل، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [سبأ: ٤]، أولئك الذين أحسنوا وآمنوا وعملوا الصالحات يجزيهم الله المغفرة والرزق الكريم، المغفرة مما أتوا به، وهم دائمون على الإيمان والإسلام، ثم يرزقهم الرزق الكريم، والرزق الكريم هو الجنة، ورضا الله جل جلاله، والحياة الدائمة بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ومقابل ذلك قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سبأ: ٥]، فكانت الساعة وكانت القيامة ليجازي الله المؤمنين العاملين للصالحات بمغفرة ذنوبهم، وبرضاه عنهم، ثم يرزقهم الرزق الكريم الذي لا مشقة فيه ولا تعب، وذلك في دخولهم الجنان، وتمتعهم بما فيها.
((وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا)) أولئك الذين أساءوا وسعوا في الأرض بالفساد.
((مُعَاجِزِينَ)): ظنوا أنهم سيفوتون على ربهم ويعجزونه، وأنه يعجز عن عذابهم، زعمت ذلك عقولهم الكاسدة، وهيهات أن يكون لذلك أصل أو وجود إلا في ضمائرهم الفاسدة الغبية.
﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ [سبأ: ٥] سعوا في تكذيب آياتنا وكتابنا ومعجزات أنبيائنا، وما أمرنا به وقلناه في كتابنا، وأنزلناه على أنبيائنا، هؤلاء يسعون في صد الناس عن الإيمان.
﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا﴾ [سبأ: ٥]، سعوا في إفسادها، وصد الناس عنها، وبذلوا من أنفسهم سعياً وحركة وعملاً للإفساد والصد عن الله وعن دينه، ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سبأ: ٥]، (أليم) قرئ: (مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٍ)، وقرئ: (أليمٌ) صفة للعذاب، بمعنى: أولئك لهم عذاب أليم من رجز، والرجز أشد العذاب والمهانة والإذلال، ففي يوم القيامة يحسن إلى المحسن، ويساء إلى المسيء، يلاقي المحسن رضاء ربه ومغفرته ودخول الجنان، ويلقى المسيء الساعي في الأرض الفساد، المكذب لله ورسوله، الصاد عن الله ورسله، العذاب والمهانة في جهنم وبئس المصير.


الصفحة التالية
Icon