تفسير قوله تعالى: (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق)
قال الله جلت قدرته: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧]، هؤلاء الكفرة المشركون، الجاحدون ليوم القيامة ويوم البعث، وهؤلاء الذين لا يزالون يصرون على تكذيب الأنبياء والكفر بالله وما جاء عن الله.
يقول الله عنهم: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ)) أي: قال الذين كفروا لغيرهم من الناس وأمثالهم -وقد يطمعون أن يقولوا ذلك للمسلمين-: ((هَلْ نَدُلُّكُمْ)) أي: هل نوصلكم ونوجهكم لتتعرفوا على رجل يخبركم وينبئكم ويبلغكم بأنكم إذا مزقتم كل ممزق، وتفرقت أجسادكم وأخرجتم من هذه الدنيا بالموت والفناء، أنكم لفي خلق جديد، وتعودون مرة ثانية في جسد جديد، وفي حياة جديدة، وفي دار جديدة، يقولون هذا مستنكرين متعجبين، منفرين الناس عن الإيمان بالله، وأن هناك بعثة يوم القيامة، ليحاسب المسيء على إساءته، وليجزى المحسن على إحسانه.
هؤلاء الكفرة عندما يقولون ذلك لا يقتصرون على أنهم كفرة جاحدون منكرون للبعث، ولكنهم يأبون إلا أن يذيعوا الكفر، ويكونوا دعاة للكفر.
ثم هم عندما يتكلمون عن رسول الله ﷺ يقولون: رجل وهي كلمة نكرة، أي: رجل مجهول، ويقصدون بذلك شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بعد الكفر ذنب، فعندما يكذبون ربهم وأنبياءهم مهما قالوا بعد ذلك فليس غريباً عنهم، على أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن مجهولاً في حياته، بل كان يعرفه البر والفاجر، وكان يعرفه المؤمن والكافر، فقد كان سبط وحفيد سيد العرب عبد المطلب، وكان عبد المطلب معروفاً في جميع جزيرة العرب، وكان مقدراً ومعظماً ومحترماً، فهم عندما يقولون: محمد بن عبد المطلب، ويقولون: محمد بن عبد الله، كان جده أشهر من أبيه، فأبوه مات شاباً صغيراً، ولذلك فالنبي في غزوة حنين عندما شاع أنه قتل في المعركة قام على دابته وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ولكن هؤلاء الكفرة الذين يقص الله عنهم، يريدون أن ينقصوا من مقام النبي عليه الصلاة والسلام في كلمة رجل، وهم متعجبون، ويقولون لغيرهم: يا هؤلاء الناس هل نعرفكم ونوصلكم إلى رجل يقول الغرائب؟! وهذه الغريبة والعجيبة أنه يقول عن الناس: إذا هم مزقوا وصاروا قطعاً في التراب أنهم سيعودون مرة أخرى.
فقوله: ((مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)) أي: ضعتم وأصبحتم ذراً مع الذر، وتراباً مع التراب، أنكم تعودون مرة ثانية في خلق جديد، وحياة جديدة وجسم جديد.


الصفحة التالية
Icon