تفسير قوله تعالى: (ذلك جزيناهم بما كفروا)
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: ١٧].
((ذَلِكَ)) أي: فعلنا بهم ما مضى من تغيير النعمة عليهم بسبب كفرهم بالله، فالجنتان اللتان كانتا ذواتا ثمار يانعة وأشجار باسقة، والأرض التي كانت ذات مواش ودواب وطيور ولحم طير ولحم مواش ومن كل ما يشتهون، وكما وصفها الله بلدة طيبة، كل ذلك صار كأن لم يكن، وهكذا إذا رأيت قوماً أصابهم الله بالذل بعد العز، وبالجوع بعد الشبع، وبالفقر بعد الغنى، فما ذاك إلا لمعصيتهم، وما ذاك إلا لخروجهم عن أمر الله، ولا يكون ذلك إلا عقوبة من الله، فعندما يجحد المؤمن بدين ربه ويكفر بنعمته ويخرج عن أمره ويبدل الطاعة معصية والتقوى فجوراً يسلّط الله عقوبته، كما سلط على المسلمين منذ أزمان وإلى اليوم، ولم نعد إلى ربنا بعد ونتب من ذنوبنا ونستغفره مما نحن فيه، فعلى الإنسان أن يستغفر ويندم على ما فرط منه ويعزم على أن لا يعود لذلك، فإذا لم يفعل فإنها توبة باللسان ولا يكاد يكون لها أثر، ويكون التائب كالمتلاعب.
قال تعالى: ((ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا))، الباء باء السببية، أي: كانت عقوبتنا لهم من استبدال جنتيهم الطيبتين بالجنتين ذواتي الأكل المر الذي تعافه النفس وذات الطرفاء والسدر البري بسبب كفرهم وجحودهم بتلك النعم الفائضة التي أغدقها الله عليهم، قال تعالى: ((وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)) يقول ربنا: وهل نجازي؟ وهو استفهام تقريري، أي: ولا نجازي ولا نعاقب إلا الكفور، أي: الجاحد الكافر الشديد الجحود والكفر، الذي يصمم ويصر على جحوده وكفره، والكفور صيغة مبالغة من شدة الجحود وشدة الكفر، فالله لا يجازي إلا الكافر، وأما المؤمن فقد يعاقبه وقد يغفر له، والله يغفر كل الذنوب إلا الكفر والجحود، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].