تفسير قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٢٠] هؤلاء الكفرة بالله في قديم الزمان وفي حاضره وفي مستقبله، أتباع الشيطان وحزبه، ولقد صدق الشيطان فيهم، أي: صدّقوا ظنونه، فإبليس عندما تكبّر أبى السجود لآدم، ثم طرده الله من الجنة، وطلب أن يُنظر إلى يوم البعث، أجابه الله لطلبه، فأخذ عند ذلك يتوعد آدم وذريته وقال: ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٣٩]، ﴿وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٧] ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ﴾ [النساء: ١١٩] قال ذلك ظناً منه، فإنه لا يعلم الغيب إلا الله، فاحتمل ذلك وظن ذلك رجماً بالغيب، وإذا بالأمر كان كما ظنه الشيطان، فكفر المشركون فصدق فيهم ظن إبليس، حيث انتقلوا من حزب الله إلى حزب الشيطان، ومن شكر النعم إلى جحودها وكفرها، ومن حمد الله إلى الكفر بالله، وهكذا أصبحوا من حزب الشيطان وأنصاره، وما ذلك الظن إلا عندما أغوى آدم وحواء، فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها، عند ذلك قال في نفسه: إن كنت أغويت الأبوين وهما من هما، فالأولاد مهما كانوا فهم أضعف عند الصبر على مثل هذه الطاعة، وعلى وساوسي وإغوائي؛ فأخذ يظن ويتوعد ويقول: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ﴾ [النساء: ١١٩]، ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٣٩]، ﴿وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٧] وهكذا سمى الله هذا الظن صدقاً قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٢٠] فكانوا من أتباع الشيطان، كفروا بكفره وجحدوا بجحوده، وخالفوا بمخالفته، وتكبروا على الله وعباده بتكبره، فكانوا بذلك من جماعة الشيطان، فأوقدت جهنم لهم ولأمثالهم من الكفار والعصاة.
قال تعالى: ((فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) فريق: مستثنى منقطع أي: اتبعه هؤلاء إلا فريق المؤمنين، أي: إلا المؤمنين جميعاً أهل التوحيد والعبادة والإيمان بالله وبرسوله، وفسّر قوم ((إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) إلا طائفة من بين المؤمنين، وليس جميع المؤمنين، فنحن نرى في المؤمنين من يعصي الله ويرتكب الكبائر، والمعنيان صحيحان، فهم اتبعوه في المخالفة الفرعية، أما الاتباع في أصل الشرك وأصل الكفر فليسوا كذلك.
ومن قال: ((إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) أي: إلا جماعة من بينهم، فالمعنى: لم يعصه إلا المؤمنون الكاملون الذين عصمهم الله من بين الأنبياء والرسل، والذين كانت حسناتهم أكثر من سيئاتهم، وإذا أساءوا بادروا إلى التوبة، ومن تاب تاب الله عليه، وخير المؤمنين الواهي الراقع، وخير المؤمنين من إذا أذنب عوض ذنبه بحسنة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤] فهم على كل حال اتبعوهم في الفروع، وعصوهم في الأصول، وهم على كل حال في خير، وفرق كبير بينهم وبين المشركين، فأولئك حزب الشيطان، أما المؤمن الذي مات على التوحيد والإيمان بالله وبرسله فهو على خير على كل حال، إما أن يغفر الله له، وإما أن يعذبه ثم المآل إلى الجنة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].