تفسير قوله تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله)
قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ: ٢٢].
قال الله لنبيه: قل يا محمد! لهؤلاء الذين كفروا في عصرك ومن سيكفر بعد ذلك، قل لهم: يدعون من شاءوا ممن زعموهم آلهة مع الله، قل لهم أن يدعوهم ليرزقوهم وليعطوهم وليجعلوا لسليمان وداود ما جعلنا لهم من معجزات، وما أعطينا قوم سبأ من خيرات وأرزاق، فعندما أشركوا بالله وأعرضوا عن طاعته جازيناهم بالنقمة والعذاب وسلبناهم نعمنا، قل لهؤلاء الكفرة: ليدعوا من زعموهم آلهة من دون الله، ليعملوا عمل الله فيرزقون من يدعون وليحيوا ويميتوا، وهم أعجز من ذلك هم وآلهتهم المزيفة، ومع هذا قال الله: ((لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ)) فهذه الآلهة المزيفة والأرباب المزعومة من قبل حزب الشيطان ليس لهم ملك في السماوات ولا في الأرض مقدار ذرة، والذرة: الهباء الذي في الهواء ولا يُرى إلا عند الشمس، ولو كان هناك شيء أذل وأحقر من الذرة لذكره الله تعالى، فهؤلاء لا يملكون ذرة لا في السماوات ولا في الأرض.
قال تعالى: ((وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ)) أي: ليس لهؤلاء الأدعياء أرباب وآلهة من دون الله، وليس لهم شريك مع الله في السماوات ولا في الأرض، بل انفرد سبحانه بالملك والخلق، ولم يشتركوا معه في شيء، فهم أحقر وأذل من ذلك، وإنما يعبدون ما لم يستطع أن يقدّم لنفسه نفعاً ولا ضراً، وإنما يعبدون أصناماً وأمواتاً وعجزة.
قال تعالى: ((وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)) أي: وما لله ظهير من هذه الآلهة أي: معين ومساعد ومشارك، وليس لله حاجة إلى أحد منهم في العون والمشاركة، بل الكل خلق الله وعبيده، إذا لم يرزقهم ماتوا، وإذا لم يسقهم ماتوا، وإذا لم يحيهم لم يوجدوا، فهؤلاء الذين يدعون من دون الله أرباباً لا وجود لربوبيتهم ولا وجود لإلهيتهم إلا في الأوهام والأساطير.
فقل لهؤلاء: إن آلهتهم أعجز من أن يملكوا ذرة في سماء أو أرض، وليس لله حاجة إلى عونهم ومساعدتهم، فالله قادر على كل شيء، وهو الغني المطلق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: ١٥] أي: الغني غنىً مطلقاً عن كل الخلق، وليست هذه صفة لواحد من الخلق، فالكبير والصغير لا يستطيع أن يقوم بنفع نفسه لا يخبز خبزه ولا ينضج طعامه، ولا يذبح شاته، ولا يبني داره، ولا يصلح طريقه، ولا يخيط ثوبه، ولكن الله سخر بعضنا لبعض؛ ليعين بعضنا بعضاً، وبهذا قامت السماوات والأرض، والمعين والمعان خلق لله وعبيد له، فلا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، والله سبحانه هو الغني المطلق الذي لا يحتاج لمعين ولا مساعد، وليس هناك معين ولا مساعد لله، إن هي إلا أسماء سماها هؤلاء المشركون الجاحدون كذباً وزوراً وشركاً بالله.