تفسير قوله تعالى: (قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة)
قال تعالى: ﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ [سبأ: ٣٠]: يوم خلق الله الخلق ويوم كوّن النطفة في رحم أمها جنيناً، ويوم أمر الله الملك بنفخ الروح كتب الله أهو شقي أم سعيد، أغني أم فقير، أمؤمن أم كافر، ما أجله فالآجال قد أُحصيت قبل خلق الخلق، وقدّرت المقادير قبل خلق الدنيا بآلاف السنين، وطويت الصحف على اللوح المحفوظ الذي قال الله عنه: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٩] واللوح الذي من قبل الملائكة الذي قال عنه: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩] قد قدّر الله ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق بآلاف السنين، فمن كانت له حياة مهما كانت ومهما لقي من العذاب والمحن لا بد أن يبلغها، ومن قُدّر عليه شيء لا بد أن يصل إليه خيراً أم شراً.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ [سبأ: ٣٠].
أي: لكم يوم موعود ستموتون فيه، فاليوم المذكور هنا يوم الوفاة، وهو يوم القيامة الصغرى، واليوم الموعود هو يوم القيامة الكبرى، اليوم الذي يُبعث فيه الخلق إلى الله وينتصبون قياماً للعرض عليه لحسابهم، ليدخل الجنة من فاز وليدخل النار من خاب.
((قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ)) ميعاد: موعد، أي وقت محدد معلوم مقدر في الأزل في اللوح المحفوظ، لا يتقدم عن وقته ساعة ولا يتأخر ساعة، فنحن نرى أنه قد يتعرض الإنسان لكل أنواع الموت فلا يموت، قد يقع من الطائرة وهي في أجواء الفضاء فلا يموت، قد يغرق في البحر ويردم عليه الردم ثم يخرج حياً؛ وقد يموت الإنسان من عثرة، أو من وقوع إناء عليه.
((قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً)) أي: لا تتأخرون -ولو طلبتم- ولو ساعة من زمن والتاء للطلب.
((وَلا تَسْتَقْدِمُونَ)) أي: ولو طلبتم أن تموتوا، ولا بد من اليوم الموعود عند الله المكتوب في اللوح المحفوظ الذي كُتب على الجبين يوم زُرعت الروح للجنين وهو في بطن أمه؛ فلا تستعجلوا العذاب، الكلام مع الكفار الذي يستعجلون بالآخرة ولا يؤمنون بها، أما المؤمنون فهم منها وجلون خائفون ومن يوم العرض على الله ترتعد فرائصهم، وهؤلاء لا يقولون ذلك إلا كفراً بها وعدم إيمان بها، وسيرون ذلك عند الغرغرة.