تفسير قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن)
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٣١].
لو ترى -يا محمد- حال هؤلاء المنكرين للبعث الذين يستعجلون يوم القيامة ولا يحسبون لها حساباً ولا يهابون يوم العرض على الله وهم في النار خالدون، يقول الله عن هؤلاء الذين أصروا على الكفر: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)).
لن هنا يقال عنها لن الزمخشرية، أي أنها للنفي المؤبد، يقولون للنبي عليه الصلاة والسلام: لن نؤمن بهذا القرآن الذي أُنزل عليك، لن نؤمن به كتاباً من الله، ولن نؤمن به وحياً، لن نؤمن به كلاماً من الله.
((وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)) أي: ولا بما سبقه قبل أن ينزل، فلا يؤمنون بالتوراة ولا بالإنجيل ولا بجميع الرسالات والكتب السماوية؛ فهم كفرة يتحدون بكفرهم، وهم مشركون مصرون على كفرهم يتجاهرون بذلك ويعلنونه.
قال تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام عن هؤلاء: ((وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ)) أي: لو ترى هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك بالله محبوسين عند ربهم وموقوفين للعرض وللحساب ولمناقشة الكتاب؛ لو تراهم ((يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ)) أي: يتجادلون يقول بعضهم لبعض كلاماً يرجع له الآخر بالقول ويجادله ((يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)).
هذا الذي كانوا يرجعون به في الجدال وفي الخصام وفي النزاع بعد أن جمعتهم النار، فهم يرجعون القول ويتجادلون ويتخاصمون ويتنازعون.
((يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا)) أي: يقول الأتباع الفقراء ((لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا)) أي: لأوليائهم وسادتهم وزعمائهم وخبرائهم: ((لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)) أي: لولا ما نشرتم بيننا من الكفر وأمرتمونا به وسعيتم به بيننا وصددتمونا عن الله وكتاب الله ورسالة الأنبياء لولا ذلك لكنا مؤمنين.