تفسير قوله تعالى: (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً)
قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [سبأ: ٤٢].
يقول ربنا يوم القيامة وهو يحذرنا ونحن في دار الدنيا؛ لكي لا نظلم أنفسنا؛ ولكي ننتهز فرصة حياتنا ووجودنا فنرجع عن ذنوبنا ومعاصينا، ويرجع الكفرة عن شركهم وكفرهم فيقولون وهم لا يزالون أحياء: ربنا أغفر لنا خطايانا يوم الدين، ويسجدون لله يدينون لله بالطاعة.
فيقول الله للجن والإنس يوم القيامة: ﴿فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا﴾ [سبأ: ٤٢].
أي: ها أنتم أولاء قد حشرتم جميعاً، وتعرضون على الله جميعاً ليفصل القضاء بينكم إما إلى الجنة وإما إلى النار، فاليوم لا ينفع بعضكم بعضاً ولا يضره.
لن يجرؤ هؤلاء الآلهة سواء كانوا ملائكة أو أنبياء أن يشفعوا لكم عند ربكم، إذ لا شفاعة لكافر، وحتى شفاعة المؤمن لن تكون إلا بإذن الله ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥].
ولن يستطيع هذا المعبود العبادة المزيفة أن يضر من كفر بألوهيته، فليس بيده نفع ولا ضر، لم يضر نفسه ولا ينفعها فضلاً عن أن يضر غيره أو أن ينفعه.
وهذا يوم يعترف الكل ويعيش في واقع يوم القيامة الذي أنكروه وهم على حال الحياة في دار الدنيا.
قوله: ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [سبأ: ٤٢] أي: الذين أشركوا وكفروا فظلموا أنفسهم بالكفر والشرك.
﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [سبأ: ٤٢]: أي: يا هؤلاء احترقوا في النار وتذوقوها وكأنكم تتذوقون فاكهة شهية وطعاماً شهياً، هذا من باب الهزل والسخرية بهم، أي: ذوقوا عذاب النار وادخلوا فيها واحترقوا بهذه النار التي أنكرتموها وأنتم في دار الدنيا أحياء، هذه النار التي جاء أنبياؤكم ينذرونكم لظاها وعذابها، وقد أخبركم الله بها في الكتب المنزلة في صحائف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى، وفي القرآن المنزل على محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.