تفسير قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات)
قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [سبأ: ٤٣].
هؤلاء الكفار إذا تليت عليهم آياتنا، أي: تلاها رسول الله وتلاها الأصحاب وتلاها العلماء والدعاة إلى الله، وهي بينات واضحات في معجزات الله القادر على كل شيء كذبوها.
هذه الآيات البينات صدقها فيها، ونحن نتلوها الآن بعد ألف وأربعمائة عام، كل الكتب السابقة تبدلت وتغيرت وحرفت عن مواضعها، وجعلت كتب كفر وشرك، لكن القرآن آخر كتب الله المنزلة تعهد الله بحفظه، قال جل جلاله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] فدليله فيه، وقد مضى عليه أربعة عشر قرناً على كثرة أعداء الله من كل ملة ومن كل جنس لم يجرؤ أحد على تغيير كلمة أو تحريف سورة أو رفع آية من مكان ووضعها في مكان آخر بعد هذه الحروب الطوال.
ونأتي نحن ونسمع أن هناك معجزة هي المعجزة الخالدة الدائمة التي يراها ويحس بها كل مؤمن إلى يوم القيامة، وهي القرآن الكريم الذي تحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بسورة من مثله، وكانوا أعجز من ذلك.
هؤلاء يسمعون هذا القرآن المعجز، الواضح في آياته فماذا قالوا؟ ﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾ [سبأ: ٤٣] هذا يشيرون إلى محمد سيد البشر عليه الصلاة والسلام، أي: يريد أن يبعدكم ويدفعكم ويحول بينكم وبين دين آبائكم.
وما هو دين آبائهم؟ عبادة الحجر، عبادة الوثن، عبادة الخلق من جن وملك، عبادة الهوى.
وقالت طائفة أخرى: ﴿وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ [سبأ: ٤٣] أي: ليس هذا إلا كذباً مختلقاً قاله وزعم أنه قول الله أوحي إليه.
وزاد آخرون بالإلحاح على الكفر: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [سبأ: ٤٣]: أي: قال طائفة أخرى من قادة الكفار وزعماء الكفار: ليس هذا القرآن إلا سحر مبين يسحرنا ببلاغته وفصاحته وجماله.
وهكذا شيطانهم الذي يعبدونه ويطيعونه أوحى إليهم زخرف القول غروراً!