تفسير قوله تعالى: (وما آتيناهم من كتب يدرسونها)
قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ [سبأ: ٤٤].
هذه خاصة بالعرب، يقول الله لنبيه وللمسلمين: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ [سبأ: ٤٤] هذا الدين من الذي أوحى إليهم به؟ ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ [سبأ: ٤٤] أي: لم ننزل كتباً من السماء على هؤلاء، فقد أنزلنا على بني إسرائيل التوراة والإنجيل، وأنزلنا على أمة إبراهيم صحفاً، وأنزلنا على قوم داود من بني إسرائيل الزبور، وأما العرب فلم ننزل عليهم كتاباً ولم تكن لهم رسالة من قبل، فمن أين جاءوا بهذه العبادة؟! ومن أين جاءوا بهذا الدين المزيف؟! وعمن تلقوه؟! وكيف تمسكوا به لدرجة أنهم اتهموا النبي عليه الصلاة والسلام بأنه ليس إلا رجلاً جاء ليصرفهم ويبعدهم عن دينهم.
أي دين هذا؟ هل عبادة الأوثان دين؟ وهل أكل أموال الناس بالباطل دين؟ وهل نشر المنكرات بكل أنواعها دين؟ ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ [سبأ: ٤٤].
أي: لم نرسل لهم رسولاً قبلك، فأنت المفرد برسالة إلى العرب أولاً، ثم أرسلناك بشيراً ونذيراً لكل العالمين، فقد كانت الرسالة الأولى ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤].
ثم قال الله له بعد ذلك: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، ثم أنزل إليه ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١]، فينذر الكفار المشركين الوثنيين بعذاب الله إن بقوا على ذلك، ويبشر من آمن منهم بالجنة والرضا والرحمة، فهو للعالمين.
وقد كانت النبوءة في الأيام الأول وفي الشهور الأولى ليجد من يكون معه، ليجد من يتلقى رسالته؛ ولهذا بعد سنوات وعذاب وتحمل وصبر من رسول الله دخل عمر في الدين وكان المتمم للأربعين، وهو عليه الصلاة والسلام يدعوهم ليلاً ونهاراً، يدعوهم في الأسواق العامة والمجامع الخاصة فلم يجيبوه.
فقوله: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ [سبأ: ٤٤] أي: فقد كانوا أمة أمية كما قال عليه الصلاة والسلام: (نحن العرب أمة أمية لا نحسب ولا نكتب)؛ ولذلك كان من أكبر المعجزات المحمدية ما قال البعض: كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم فيكفي أن يكون هذا الأمي عالم العلماء العارف بالأولين وبالآخرين، هذا العلم ما تعلمه من قومه فقد كانوا أميين، ولا تعلمه من النصارى واليهود فلم يكن في مكة يهودي ولا نصراني.


الصفحة التالية
Icon