تفسير قوله تعالى: (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)
قال تعالى: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ: ٤٩].
هذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١] أي: قل يا محمد لهؤلاء: ما كنتم عليه من ضلالة ووثنية وعبادة للأصنام، ذهب كل ذلك وبطل، وحصحص الحق وبان لكل عقل سليم أن ما كنتم تفعلونه من عبادة للأوثان وشرك بالله؛ كل ذلك باطل وزاهق.
قد جاء الحق من الله يدعو إلى المحاسن كلها وإلى الطاعات كلها، ويذم عبادة الأوثان والأصنام، ويزيف الباطل ويبطله، وذلك بإرسال محمد هادي الخلق وداعيهم إلى الله، خاتم الرسل والأنبياء، فقد جاءكم بالحق المبين.
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ [الإسراء: ٨١] أي: جاء الإسلام وهو حق، وجاء كتاب الله القرآن الكريم وهو حق، جاء محمد عليه الصلاة والسلام وهو حق، فقد جاء الحق بكل أشكاله وأنواعه، جاء كتاباً مقروءاً وجاء رسولاً ناطقاً، وجاء وحياً من الله جل جلاله.
قوله: ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ: ٤٩]: الباطل: هو الشيطان، والباطل كل ما أبطله الشرع ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة، والباطل كل ما أنكرته العقول من شرك ووثنية، ومن ظلم وسفك للدماء، ومن فواحش ومن جميع أنواع البلايا والمنكرات.
فالباطل لا يبدئ ولا يعيد، فلا يستطيع أن يفعل شيئاً ولا أن يبتدئ شيئاً، وإذا ذهب هذا الباطل فليس بإمكانه أن يعيده، فلن يخلق ذبابة ولو اجتمع مع جميع الشياطين، بل إن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب.
والنبي عليه الصلاة والسلام عندما دخل مكة فاتحاً، دخل بيت الله الحرام مطهراً وناشراً للتوحيد، دخل للكعبة ووجدها محاطة بثلاثمائة وستين صنماً، وبيده القوس والعصا، فأخذ يشير إلى كل صنم فيهوي على وجهه، وهو يقول صلى الله عليه وسلم: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)؛ ولذلك كما قال مفسرو هذه الآية الكريمة: يستحب للداعية إلى الله إذا رأى باطلاً يزيفه، أو منكراً ينهى عنه أن يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.
أي لا يدوم الباطل بحال وهو هالك، ومتى ما ظهر يوماً فالنهاية زواله ودماره والقضاء عليه؛ لأنه لا دليل عليه من عقل سليم ولا من نفس مؤمنة، وإنما هي أوهام وضلالات من وحي الشيطان ومن وحي النزوات والشهوات وليس غير.
قل يا محمد وقد جئت بما أمرتك به من رسالة هادية ودعوة شاملة لتزييف الأصنام وعبادتها والدعوة إلى عبادة الخالق الرازق خالق الكل ورازق الكل جل جلاله وعز مقامه، فقل لهؤلاء: انتهت أيامكم وزهق باطلكم، والباطل الشيطان الذي تتلون منه أعمالكم لا يستطيع بداءة شيء، وإذا زهق ذلك فلن يستطيع إعادته بحال، والله الخالق المبدئ المعيد لا غيره جل جلاله.