تفسير قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت)
قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١].
أي: لو ترى يا محمد ما سيحصل لهؤلاء الذين أنكروا النبوءة والرسالة، وأنكروا قدرة الله وما أنزله من كتب من السماء وأوحى بها إلى رسله.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾ [سبأ: ٥١] لو ترى بعينك إذ رعبوا، ولو ترى إذ زلزلوا، ولو ترى ما سيلاقي هؤلاء من هول عظيم.
ولو ترى هؤلاء في يوم مقداره كألف سنة مما تعدون، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤ - ٣٧] عيونهم زائغة، وأجسامهم هالكة، يرجون الموت وهيهات فلا موت! قوله: ﴿فَلا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] أي: فلا مفر ولا منجاة، ولات حين مناص، وليس الوقت وقت الندم وليس الوقت وقت نجاة، فهؤلاء قد عاشوا عشرات السنين وأنبياؤهم تدعوهم إلى الله فلم يستجيبوا.
ثم خاتم الأنبياء قد دعاهم ليلاً ونهاراً، لمدة ثلاثة وعشرين عاماً، كان يدعوهم لكتاب الله القرآن الكريم، ويدعوهم لبيانه البليغ وحكمته وسنته، ثم كان يدعوهم أصحابه، ويدعوهم من جاء بعدهم من العلماء ورثة الأنبياء، ومع ذلك أبوا إلا الإعراض والصد عن الله، وأبوا إلا الجحود والكفران، فهؤلاء عندما يموتون ثم يبعثون وقد أنكروا الله في حال الحياة لا يستطيعون الفرار من العذاب.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] أي: لا يفوتوننا ولا يفرون ولا يقدرون على ذلك، ولا منجى لهم من عذاب الله وعقاب الله وحساب الله.
قوله: ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١]: أي: أخذوا أخذ عزيز مقتدر، قال الحسن البصري: يؤخذون بمجرد خروجهم من قبورهم يوم القيامة، يسحبون من أقدامهم سحباً إلى العرض على الله والحساب ثم العقاب، وهم في غاية الفزع الذي تتهاوى له الجبال الصم والكون كله، ولكن هيهات لا فناء بعد ذلك في الآخرة ولا موت.
﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] فلن يكونوا بعداء عن يد الله وقدرته، ولو كانوا بعداء فذلك قريب إلى الله.