تفسير قوله تعالى: (الذين كفروا لهم عذاب شديد)
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [فاطر: ٧].
يقرن الله دائماً العقاب بالرحمة في كتابه، ويقرن الكفر بالإيمان، وذلك ليعلم الكافر كم من درجة بينه وبين المؤمن، وليعلم المؤمن كم من درجة بينه وبين الكافر، فينذر هذا ويبشر هذا.
وقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر: ٧]، أي: كفروا بالألوهية، وبالوحدانية، وبالقدرة الإلهية، وكفروا بالنبوءات، فهؤلاء لهم عذاب شديد أليم مخز دائم: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦].
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [فاطر: ٧].
وعندما يذكر الله الإيمان يذكر معه العمل الصالح؛ لأن الإيمان بلا عمل يكاد ألا يوصل صاحبه إلى الجنة، كما أن من كمال الإيمان وصدق الإيمان أن يصدق اللسان الجنان، ومعنى ذلك: أنه عندما ينطق الإنسان ويؤمن الجنان بكلمة: لا إله إلا الله، لا يكون مصداق ذلك إلا بعمل الجوارح والأركان، من صلاة وصيام وزكاة وحج وابتعاد عن المنكرات والفواحش كلها، وفعل الصالحات والقيام بالطيبات، وهكذا: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥].
فالذي لا يصلي ليس له رادع من نفسه يردعه عن الشر والكفر، والكفر هنا: كفر المعصية؛ لأن من خصائص الصلاة للمصلي أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فبسببها يجد الإنسان من نفسه رادعاً ووازعاً وهادياً، وآمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر؛ لأنه عندما يقف بين يدي الله ويقرأ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]، ثم يهم بمعصية الله لعد أنه يكذب على الله، فتكون عبادته ليست خالصة وليست كاملة، واستعانته بالبشر لا بالله، فهو يعتمد عليهم ليرزقوه وليعطوه، والله أكثر رزقاً وإنما العبد سبب.
قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [فاطر: ٧].
أي: قاموا بالأركان الخمسة من الشهادتين إلى الحج ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [فاطر: ٧]، فإن الله يغفر ذنوبهم، ويغفر نسيانهم، ويغفر خطأهم، ويغفر ما استكرهوا عليه: ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [فاطر: ٧]، الأجر من الله دخول الجنان، والأجر من الله رحمته الواسعة.