تفسير قوله تعالى: (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا)
قال تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [مريم: ٣٨].
يقول الله عن هؤلاء الكافرين الذين لهم آذان لا يسمعون بها، وأبصار لا ينظرون بها، وقلوب لا يفقهون بها، وهكذا غفلوا وضاعوا، وضلوا عن سماع الحق ورؤيته وفقهه وعلمه، لكنهم لم يكونوا كذلك يوم العرض على الله، فالله يقول: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨] أي: ما أشد سمعهم وما أشد بصرهم، فلا تكاد تفوتهم كلمة تقال يوم القيامة، ولا يكاد يفوتهم منظر يوم القيامة، فهم حداد البصر شديدو السمع يوم القيامة، وهم إذ ذاك يرون ما أوعدهم الله به من عذاب أليم ومحنة دائمة، ومن الويل في نار جهنم، فتجدهم كلهم آذاناً وأسماعاً وقلوباً تفقه وتدرك، ولم يكونوا كذلك في دار الدنيا؛ لأنهم عاشوا شاكين مرتابين، ويوم القيامة أصبح الشك حقيقة والخيال واقعاً، وأصبح ما كانوا يكذبون به يعيشون في وقته وحاضره وواقعه.
فقوله تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨] أي: ما اشد سمعهم وأقوى بصرهم يوم القيامة، وقد بعثوا من بعد الموت، وعرضوا على الله خالقهم؛ ليحاسب كل مخلوق على عمله إما إلى جنة وإما إلى نار.
قال تعالى: ﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [مريم: ٣٨] أي: لكن الظالمون أنفسهم بالشرك والكفر والضلال هم اليوم -أي: في دار الدنيا- في ضلال مبين وضياع واضح وفساد بين، فلا يعرفون الحق ولا يريدون أن يعرفوه، فإذا قرئ عليهم كتاب الله أعرضوا عنه وتولوا، وإذا قال لهم رسول من رسل الله: أنا رسول الله إليكم كذبوه وآذوه، وفرقوا الناس عنه، وصدوا عن طاعته، فهكذا هم اليوم في دار الدنيا يعيشون في ضلال واضح وبلاء بين، ولكنهم إذا أتوا يوم القيامة فما اشد سمعهم وما أقوى أبصارهم!


الصفحة التالية
Icon