تفسير قوله تعالى: (وما يستوي الأعمى والبصير)
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الله جل جلاله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ١٩ - ٢٣].
يضرب الله الأمثال للناس ليستبين لهم الفرق، ومن ذلك مثل الكافر والمؤمن، ومثل الجاهل والعالم، ومثل الضال والمهتدي، فقال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ [فاطر: ١٩]، أي: لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر، وذو العينين الذي يبصر، ذاك لا يرى الدنيا إلا ظلاماً في ظلام، وذاك يرى الضياء كما يرى الظلام، يرى المتحدث القريب منه كما يرى المتحدث البعيد عنه، وهذا مثل ضرب للكافر مع المؤمن، فالكافر أعمى القلب، والمؤمن مفتح البصيرة، ذاك قد عمي عن رؤية الحقائق من الإلهيات والنبوات، وعن أسرار هذا الكون، وكيف خلق؟ ومن خلقه؟ ولم خلق؟ فالكافر أعمى عن كل هذا، فهو أعمى البصيرة أعمى القلب لا يرى إلا الدنيا، وكأنها خلقت بلا موحد، وأنه وجد عبثاً في هذه الأرض.
﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ﴾ [فاطر: ١٩ - ٢٠].
كذلك ضرب هذا مثلاً في الكفر والإيمان، فالكفر كله ظلمات بعضها فوق بعض، ظلمات في العقل، وظلمات في القلب، وظلمات في النفس، وظلمات في العقيدة والدين والحياة والسلوك، أما المؤمن فله نور في بصره، ونور في بصيرته وعقله، ونور في سلوكه، فهو يرى نور الله جل جلاله وقد أشرقت به السماوات والأرض، فهو يرى الله في كل أثر من آثاره، وفي كل خلق من خلقه.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد قوله: ﴿وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ﴾ [فاطر: ٢١].
الظل: الجنة، والحرور: جهنم، وللتقريب فإن المستظل تحت شجرة أو سقيفة ليس كمن هو تحت الشمس تحرقه.
وظل يوم القيامة ظل دائم: ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾ [الرعد: ٣٥]، لا حرارة ولا برد، لا شقاء ولا تعب.
فالظلال التي تظل الإنسان من حر الشمس، والحرور: الحر الشديد الذي يحرق الإنسان، ولم تستو الجنة ولا النار، فالجنة للمؤمنين، والنار للكافرين، فالظل للمسلم، والحرور للكافر.