تفسير قوله تعالى: (وما يستوي الأحياء ولا الأموات)
﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ﴾ [فاطر: ٢٢].
دليل الحياة في الحي أنه يسمعك وتسمعه، ويراك وتراه، ويحاورك وتحاوره، أما الميت فهو جماد لا يستطيع ذلك كله، أصبح جماداً من الجمادات، كان تراباً ثم عاد إلى التراب، وهو مثل ضرب فيه المؤمن والكافر، فالمؤمن حي ولو كان ميتاً، والكافر ميت ولو كان حياً، المؤمن حي بنفسه بفكره بقلبه.
يدرك ما في هذا الوجود يعبد الله كما أمر يعمل لدنياه كما يعمل لآخرته يحرص على أن يمتثل لأوامر ربه، كما يمتثل لأوامر نبيه، حتى إذا مات كانت حياته حياة الشهداء والأبرار ممن يمتعون ويرزقون، ويحسبون أمواتاً وهم أحياء يرزقون عند ربهم، ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠].
أما الكافر فهو ميت ولو مشى على قدميه، والمؤمن حي ولو كان ميتاً، قد عاش بدينه وطاعته لربه، عاش بإحسانه وبالخير الذي قدمه، ولذا سيبقى حياً ذكره إلى يوم القيامة وإلى أن يحيا مرة ثانية ويدخل الجنة، وبالمقابل ضرب الله الأمثال لهؤلاء الكفرة بأنهم عمي يتخبطون في الظلمات أموات غير أحياء، وبأنهم في العذاب الدائم في نار جهنم، ثم قال الله عن نفسه مخبراً لنبيه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٢٢]، أي: إن الله يهدي من يشاء وليست الهداية بيدك، وليست من وظيفتك، ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨]، ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣].
فهؤلاء لو شاء الله لأسمعهم، ولو أسمعهم لاهتدوا، ولكن الله لم يسمعهم؛ لأنه علم ما في قلوبهم من فساد، (وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: ٢٢]، ففي الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد! لست أنت بمسمع الموتى الذين هم في قبورهم، بمعنى: أن هؤلاء الكفرة الذين سبق في علم الله بقاؤهم على الكفر كالأموات الذين في القبور، وهؤلاء الذين في القبور لا يسمعون؛ لأنهم موتى، ولا يكلفون لأن الدنيا من حياتهم انتهت، فمن قدم خيراً وجده، ومن قدم شراً وجده.


الصفحة التالية
Icon