تفسير قوله تعالى: (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه)
قال الله جل جلاله: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [فاطر: ٣١].
يقول جل وعلا مخاطباً نبينا: (والذي أوحينا إليك من الكتاب)، والخطاب له خطاب لكل المسلمين، (من الكتاب) (من): بيانية تفسيرية، والمعنى: ما أوحيناه إليك هو الكتاب، و (الكتاب) إذا أطلق فهو القرآن الكريم لا سواه.
وعند النحاة إذا أطلق (الكتاب) فهو كتاب سيبويه في علم النحو فهو مرجعهم.
﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ﴾ [فاطر: ٣١]، ما أوحيناه إليك يا محمد من هذا القرآن الكريم هو الحق لا سواه، وكل ما سواه متغير باطل محرف مبدل، فما أنزل الله من قبل من كتب سماوية من زبور وتوراة وإنجيل، وإن كانت هي في الأصل حقاً، ولكنها بدلت وغيرت، وانتقلت من كتب توحيد إلى كتب وثنية، وطعن في أنبياء الله المعصومين المطهرين.
فأصحاب التوراة عبدوا العجل والعزير وذكروا ذلك في توراتهم، وأصحاب الإنجيل عبدوا عيسى ومريم، وذكروا ذلك في إنجيلهم، وكلهم قد قال: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨].
كذبوا وافتروا وحرفوا وبدلوا فالحق بين الكتب السماوية انفرد به الكتاب وانحصر في القرآن الكريم، فهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو الذي تعهد الله بحفظه إلى يوم القيامة، ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [فاطر: ٣١]، أي: حال كونه جاء مصدقاً لما سبقه من الكتب السابقة، وقد دعت إلى توحيد الله وعبادته، وإلى طاعة الأنبياء، وأخبرت أنهم رسل الله المكرمون المعصومون عن الخطايا والذنوب، ومن أجل ذلك كان لزاماً على المؤمن أن يؤمن برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بمن سبقه من الأنبياء الأربعة والعشرين كما ذكرهم القرآن، ونؤمن بسوى ذلك مجملاً غير معين، فنحن نؤمن بعيسى عبداً ورسولاً، ونؤمن بموسى عبداً ورسولاً كذلك، فقد جاء القرآن يصدق ويؤيد ما أنزل من الكتب قبله، وما أرسل من رسول قبل الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، فالله يقول لنبيه: إن هذا القرآن المنزل عليك هو الحق من بين الكتب فلم يغير ولم يبدل، ولن يغير ولن يبدل، وقد جاء مصدقاً لما سبقه من الكتب، فما لم يكن في القرآن ووجد في الكتب الأخرى فهو باطل مفترى مزور، وما صدقه القرآن فهو الحق المبين الذي لا مين فيه ولا ريب، فالقرآن جاء مصدقاً ومهيمناً ومؤيداً لما دعت إليه الرسل من قبله من دعوة للتوحيد، ولعبادة الله الواحد.
(مصدقاً) بالكتب السابقة وأنها كتب الله حقاً مالم تبدل ومالم تغير.
﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [فاطر: ٣١].
فالله جل جلاله خبير بعباده، يعلم ما فعلوا وما صنعوا، ويعلم ما أضمروا وما أصروا وما أعلنوا، يعلم الصادق منهم من الكاذب، ويعلم المخلص من المنافق، فمن آمن بالله علم الله إيمانه، ومن نافق علم الله نفاقه، وذاك تهديد من الله لكل كافر ولكل آثم.
(بصير) أي: بعباده، يبصر ما عملوه، وينظر ما عملوه، فيحاسبهم عليه يوم القيامة، ويقضي من يصير إلى جنة ومن يصير إلى نار.