تفسير قوله تعالى: (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)
قال تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧].
يقول ربنا جل جلاله: ((لقد حَقَّ الْقَوْلُ)) والقول هنا: العذاب.
فهؤلاء عندما أنذرهم رسول الله وخوفهم العاقبة، وكان وعيده بأن من لم يؤمن بالله فليس له مصير إلا النار وغضب الله، كفروا ولم يؤمنوا، وهكذا فإن هؤلاء القدامى في السنوات الأولى من الحياة النبوية أصروا على الكفر فمات من مات على الكفر، وشرد من شرد على الكفر وأسر من أسر على الكفر، ثم جاء الأجيال بعدهم مؤمنين موحدين وانقرض عصر أولئك، ولكن كما قال عليه الصلاة والسلام: (كما دخل الناس في دين الله أفواجاً سيخرجون أفواجاً).
وهذا ما نراه اليوم، إذ تركوا كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام، واتبعوا كل مارد شيطان، اتبعوا هذه المذاهب الوافدة بفسوقها وفجورها وانحلالها وقوانينها الكافرة، فكان ذلك ردة وكفراً ولعنة من الله عليهم.
فحق عليهم العذاب؛ لأن الله علم فساد قلوبهم، قال تعالى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا﴾ [الأنفال: ٧٠]، فأصروا على الكفر والعصيان والخروج عن أمر الله، فلم يؤمن أكثرهم؛ ولذلك قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].
فالهداة الصالحون قلة في كل عصر، وأكثر ما يقولون عنا إننا بلغنا من العدد ملياراً -أي: ألف مليون- ولكن غيرنا من النصارى والمجوس وعباد الحشرات وعباد البشر والفروج والخارجين عن أمر الله يعدونهم ثلاثة مليار.
ولو كان من هذا المليار من المسلمين مليون رجل مستمسك بدين الله حقاً، لما رأيت المسلمين على ما هم عليه اليوم في الأرض، فقد كان المسلمون الأول عندما فتحوا العالم ونشروا دين الله ورسالة محمد ﷺ أقل من هذا بكثير، كانوا بضعة آلاف من المسلمين، انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، وما هي إلا خمسون سنة حتى كان المسلمون حكام الأرض من أقصى الشرق في الصين إلى أقصى الغرب إلى جبال البرنيه في عمق أوروبا وما بينهما، واستمروا ألف عام على ذلك لم تهزم لهم راية.
صحيح أنهم هزموا في معارك، ولكن مع ذلك بقيت لا إله إلا الله وبقي الحكم بيد المسلمين إلى أن قصروا وابتعدوا عن دين الله، فسلط الله عليهم أبناء القردة والخنازير وعبدة الطاغوت من اليهود.
فقوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧]، أي: حقت كلمة الله وأمر الله السابق وإرادته، فالكثير من هؤلاء قد خرج عن دين الله، وقابل الحق بقلب مريض وفاسد، والقلب المريض الفاسد لا يقبل هداية ولا رسالة ولا نبوءة، فكان أكثرهم لم يؤمن، ومن لم يؤمن فهو في النار مع الكفرة من اليهود والنصارى والمنافقين.